573
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

رأسا، ووجود موجودات اُخرى بدلها، فمن الذي لاحظ تلك المصلحة والحكمة الخفيّة؟ ويجوز في نفس الأمر عدم تلك المصلحة بانتفاء تلك الموجودات كما يجوز وجودها بجودها، بخلاف ما إذا انتهى تلك الممكنات المعيّنة إلى الواجب الذي هو موجد الكلّ ومقدّره، فيوجده على الوجه الذي يقتضيه الحكمة والمصلحة؛ فإنّه لا يلزم ترجّح بلا مرجّح أصلاً؛ فتدبّر تعرف؛ فإنّه مع وضوحه دقيق.
النمط الرابع ـ ذكره بعضهم ـ : تَحقَّقَ بعضُ الممكنات لا كلّها، فلا بدّ من واجب الوجود بالذات لترجّح وجود ذلك البعض ـ الذي هو كالسماوات والأرض الكائنتين على الترتيب الذي هما عليه مع عللهما الممكنة ـ على البعض الآخر، وإلّا لزم إمّا وجود جميع الممكنات، أو عدم الكلّ بالكلّيّة؛ لأنّ الممكن الذي صار موجودا ليس أحقّ بالوجود من الممكن المعدوم دائما باعتبار ذاتهما، وإلى مثل هذا البرهان أشار بقوله تعالى: «أَفِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرٍ السَّمواتِ وَالأَرْضِ»۱ .
النمط الخامس: لو انتفى الواجب بالذات ـ تعالى عن ذلك ـ وذهب سلسلة وجود الممكنات إلى غير النهاية، فلا شكّ في جواز انتفاء تلك السلسلة بأسرها في نفس الأمر بأن لا يوجد أصلاً؛ لإمكانها في ذواتها وعدم وجوبها بالنظر إلى الغير؛ إذ لا غير فرضا، وإذا جاز انتفاء تلك السلسلة بأسرها في نفس الأمر لا يجب وجودها فيه، ولا وجود جزء منها؛ إذ الشيء ما لم يمتنع جميع أنحاء عدمه لم يجب، وقد بيّن في موضعه أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد، فلا يمكن وجود تلك السلسلة بأسرها، ولا جزء منها بدون الواجب بالذات؛ فافهم.
وقد مرّ تقرير هذا البرهان بوجه آخر، فتذكّر.
النمط السادس: كلّ كثير لا بدّ أن ينتهي إلى واحد بسيط لا جزء له أصلاً؛ فإنّه لو لم ينته

1.إبراهيم (۱۴): ۱۰.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
572

النمط الثالث: وهو أيضا ممّا ابتدعته، فأقول: لو انحصر الموجود في الممكن وذهبت سلسلة الممكنات إلى غير النهاية، يجوز في الواقع عدم تلك السلسلة الواقعة بالفعل بأن يكون كلّ واحد من أجزاء هذه السلسلة المفروضة بدلاً عمّا يناسبه من أجزاء تلك الجملة المتحقّقة بالفعل، ففي وقوع هذه السلسلة ـ الواقعة المتحقّقة بالفعل واختصاصها بالوجود والتحقّق، دون السلسلة المفروضة المغايرة لها مع إمكان أن يقع في نفس الأمر الجملة المفروضة، ولا يقع الجملة الموجودة رأسا ـ لا بدّ من مرجّح معيّن مخصّص لها بالوجود والوقوع، خارج عنها، وإلّا لترجّح أحد المتساويين على الآخر من غير مرجّح، هذا خلف. والمرجّح الخارج عن جميع الممكنات هو الواجب بالذات تعالى شأنه.
فإن قيل: إمكان وجود ممكنات اُخرى بالوجه الذي ذكرته بدلاً عمّا هو الواقع في الواقع ممنوع، بل ما هو واقع في الواقع من الأفلاك والكواكب والعناصر وغيرها بالوجه الذي وقعت عليه كمّا وكيفا وكمالاً أو نقصا هو الذي يمكن وجوده، ولا يمكن وجود ما هو مغاير لها أصلاً.
قلت: الكلام في الإمكان الذاتي، ومنعه مكابرة سيّما إذا كانت المخالفة والمغايرة بالتشخّصات والعوارض، أو الكمال والنقص؛ لأنّ كلّ ما له مهيّة مغايرة لموجوديّته يجوز بالنظر إلى ذاته ومهيّته أن يكون له أفراد اُخر مغايرة للفرد الواقعي في الهويّة، أو المرتبة، أو غير ذلك؛ إذ لو كانت ممتنعة، امتنع ذلك الفرد الواقعي أيضا؛ لمشاركته معها في تمام المهيّة، والمشارك في تمام المهيّة والحقيقة للممتنع ممتنع بالضرورة.
فإن قلت: يلزم على تقدير وجود الواجب وانتهاء سلسلة الممكنات إليه ترجّح بلا مرجّح أيضا؛ لأنّه إذا جاز وجود ممكنات اُخرى بدلاً عن هذه الممكنات الموجودة فلِمَ اختارها على غيرها؟
قلت: يجوز أن يكون اختياره لها دون غيرها لحكمة ومصلحة خفيّة، وعلى تقدير عدم الواجب ـ تعالى عن ذلك ـ لا يمكن أن يقال مثل ذلك؛ لأنّه إذا جاز تبدّل كلّ الموجودات

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 126289
صفحه از 739
پرینت  ارسال به