575
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

النمط الثامن: مرتبة وجود كلّ علّة متقدّمة، على مرتبة وجود معلولها ۱ ضرورة، فلا يمكن أن توجد علّة مع معلولها في مرتبة واحدة بديهة.
وبعد تلك المقدّمة نقول: إذا ترتّبت علل ممكنة غير متناهية لا أوّل لها، فإمّا أن يوجد كلّها معا في مرتبة واحدة، أو لا، بل يوجد بعضها قبل بعض. فعلى الأوّل يلزم خلاف ما تقدّم في المقدّمة. وعلى الثاني إن كان لتلك السلسلة أوّلٌ حاصل موجود قبل الكلّ، لم يكن غير متناهٍ، هذا خلف.
وإن لم يكن للسلسلة أوّلٌ وجد قبل الكلّ، لزم أن يكون وجود كلّ واحد منها مسبوقا بوجود اُمور غير متناهية، وذلك مستلزم لامتناع وجود شيء منها؛ فإنّه بديهيّ أنّه ما لم يوجد واحد منها لم يوجد شيء أصلاً، فيجب ضرورة أن يوجد أوّلاً واحد ۲
حتّى يتبعه غيره، وليس للسلسلة الغير المتناهية أوّلٌ؛ إذ كلّ ما فرض أوّلاً فعلّته قبله، فلم يكن أوّلاً، ويلزم من ذلك أن لا يكون للسلسلة الغير المتناهية وجود؛ إذ لو كان له وجود، لكان فيه أوّلٌ، وتحقّق الأوّل فيها ممتنع، فوجودها ممتنع؛ ضرورة امتناع ما يستلزم ممتنعا.
والحاصل أنّا نعلم بالضرورة أنّه ما لم يوجد أوّلاً واحد يتبعه غيره، لم يوجد غيره أصلاً، فإذا لم يكن في سلسلة أوّل، لم يوجد قطعا، وليس للسلسلة الغير المتناهية أوّلٌ؛ إذ كلّ ما فرض أوّل فعلّته قبله، فلم يكن أوّلاً، فلا بدّ في الموجودات من أوّل لا يكون قبله غيره، وهو الواجب بالذات؛ فتأمّل.
وبعبارة اُخرى: لو لم ينته سلسلة الموجودات إلى الواجب بالذات، يكون كلّ واحد من آحاد تلك السلسلة محتاجا إلى مرجّح، فيكون للطرف حكم الوسط في الاحتياج إلى المرجّح، وما دام كذلك فمن أين يحصل ممكن حتّى يحصل منه ممكن آخر؟
ولو قيل: إنّه يحصل بممكن آخر، وذلك الآخر بالآخر وهكذا إلى غير النهاية.

1.في النسخة: «معلوله». وكذا في المورد الثاني.

2.في النسخة: «واحدا».


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
574

إلى واحد كذلك، ينتفي الوحدة قطعا، فيلزم انتفاء الكثرة بالضرورة، كيف، والكثرة إنّما هي اجتماع الوحدات، فإذ لا وحدة أصلاً لا يكون كثرة قطعا، وهو ظاهر بيّن.
وبعد تمهيد تلك المقدّمة نقول: الموجودات المتحقّقة كثيرة، فلا بدّ فيها من واحد لا كثرة فيه أصلاً، وهو الواحد الحقيقي، وما ذلك الواحد الحقيقي إلّا الواجب بالذات؛ إذ كلّ ما عداه من الممكنات ـ وإن كان بسيطا ـ فهو مركّب الهويّة ممّا ليس في حدّ ذاته مبدءً لانتزاع الوجود؛ أعني المهيّة، وإلّا لكان واجبا بالذات، هذا خلف، ومن الوجود ۱ الذي هو مصداق للموجوديّة ومبدأ انتزاعها، وإلّا لم يكن موجودا بالفعل، وهو خلاف المفروض؛ إذ الكلام في الموجودات، فهو في الحقيقة كثير.
قال الشيخ الرئيس في الشفاء:
والذي يجب وجوده لغيره دائما، فهو أيضا غير بسيط الحقيقة؛ لأنّ الذي له باعتبار ذاته، فإنّه غير الذي له من غيره، وهو حاصل الهويّة منهما جميعا في الوجود؛ فلذلك لا شيء غير واجب الوجود يعرى عن ملابسة ما بالقوّة والإمكان باعتبار نفسه وهو الفرد الحقيقي، وغيره زوج تركيبي ۲ .
فتبيّن أنّه لا بدّ في الموجودات الكثيرة من واحد حقيقي هو الموجود البحت لا الشيء الموجود، وهو الواجب بالذات، وذلك ما أردناه.
النمط السابع: الممكن لا يستقلّ بنفسه في وجوده وهو ظاهر، ولا في إيجاده لغيره؛ لأنّ مرتبة الإيجاد بعد مرتبة الوجود؛ فإنّ الشيء ما لم يوجَد لم يوجِد، فلو انحصر الموجود في الممكن، لزم أن لا يوجد شيء أصلاً؛ لأنّ الممكن وإن كان متعدّدا لا يستقلّ بوجود ولا إيجاد، وإذ لا وجود ولا إيجاد، فلا موجود لا بذاته ولا بغيره، فلا بدّ من الواجب بالذات، وهو المطلوب.

1.عطف على قوله: «من واحد».

2.الشفاء، ص ۴۷، الفصل السابع في أنّ واجب الوجود واحد.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125370
صفحه از 739
پرینت  ارسال به