النمط الثامن: مرتبة وجود كلّ علّة متقدّمة، على مرتبة وجود معلولها ۱ ضرورة، فلا يمكن أن توجد علّة مع معلولها في مرتبة واحدة بديهة.
وبعد تلك المقدّمة نقول: إذا ترتّبت علل ممكنة غير متناهية لا أوّل لها، فإمّا أن يوجد كلّها معا في مرتبة واحدة، أو لا، بل يوجد بعضها قبل بعض. فعلى الأوّل يلزم خلاف ما تقدّم في المقدّمة. وعلى الثاني إن كان لتلك السلسلة أوّلٌ حاصل موجود قبل الكلّ، لم يكن غير متناهٍ، هذا خلف.
وإن لم يكن للسلسلة أوّلٌ وجد قبل الكلّ، لزم أن يكون وجود كلّ واحد منها مسبوقا بوجود اُمور غير متناهية، وذلك مستلزم لامتناع وجود شيء منها؛ فإنّه بديهيّ أنّه ما لم يوجد واحد منها لم يوجد شيء أصلاً، فيجب ضرورة أن يوجد أوّلاً واحد ۲
حتّى يتبعه غيره، وليس للسلسلة الغير المتناهية أوّلٌ؛ إذ كلّ ما فرض أوّلاً فعلّته قبله، فلم يكن أوّلاً، ويلزم من ذلك أن لا يكون للسلسلة الغير المتناهية وجود؛ إذ لو كان له وجود، لكان فيه أوّلٌ، وتحقّق الأوّل فيها ممتنع، فوجودها ممتنع؛ ضرورة امتناع ما يستلزم ممتنعا.
والحاصل أنّا نعلم بالضرورة أنّه ما لم يوجد أوّلاً واحد يتبعه غيره، لم يوجد غيره أصلاً، فإذا لم يكن في سلسلة أوّل، لم يوجد قطعا، وليس للسلسلة الغير المتناهية أوّلٌ؛ إذ كلّ ما فرض أوّل فعلّته قبله، فلم يكن أوّلاً، فلا بدّ في الموجودات من أوّل لا يكون قبله غيره، وهو الواجب بالذات؛ فتأمّل.
وبعبارة اُخرى: لو لم ينته سلسلة الموجودات إلى الواجب بالذات، يكون كلّ واحد من آحاد تلك السلسلة محتاجا إلى مرجّح، فيكون للطرف حكم الوسط في الاحتياج إلى المرجّح، وما دام كذلك فمن أين يحصل ممكن حتّى يحصل منه ممكن آخر؟
ولو قيل: إنّه يحصل بممكن آخر، وذلك الآخر بالآخر وهكذا إلى غير النهاية.