ضرب من الإمكان. ومن ثمّة قيل: إنّ نسبة القابل إلى المقبول بالإمكان، فالفاعل من حيث إنّه فاعل يوجب وجود المقبول ويقتضيه، والقابل من حيث هو قابل لا يقتضي وجود المقبول ولا يوجبه، فلا يكون القابل بعينه فاعلاً؛ لتنافي لازميهما، وكيف يكون ذات واحدة بسيطة مقتضيا لأمر وغير مقتضٍ له معا، هذا.
واعترض عليه بعض المتأخّرين بأنّه إن اُريد أنّ الفاعل من حيث هو فاعل موجب لمفعوله أنّ نفس مفهوم الفاعل من حيث هو موجب، فهو باطل في جميع الصور قطعا بالضرورة.
وإن اُريد أنّ ذات الفاعل ـ مقيّدا بحيثيّة الفاعليّة أو معلّلاً بها ـ يكون موجبا فهو ممنوع، بل ظاهر أنّ التقييد بالفاعليّة أو التعليل بها لا مدخل لشيء منهما في إيجاب الفاعل له واقتضائه.
وإن اُريد أنّ ذات الفاعل ـ من حيث هو كالشمس بعينها ـ موجب، فهذا مسلّم لا شكّ فيه، ولكن لِمَ لا يجوز أن يكون ذات القابل من حيث هو كالشمس موجبا في بعض الصور؟ وهل هذا إلّا أوّل المسألة ۱ ، وليس يتصوّر في هذا التصوّر اجتماع المتنافيين؛ إذ ليس فيه إلاّ اقتضاء ذات ما من حيث هو لصفة ما في نفسه ۲ ، وكما أنّه ليس لصفة القابليّة مدخل في هذا الإيجاب والاقتضاء لا تقييدا ولا تعليلاً، كذلك ليس لصفة الفاعليّة مدخل فيه كذلك، فيؤول الأمر إلى أنّ نفس القابل لصفة ما موجبة لهذه الصفة فيها مع قطع النظر عن القابليّة والفاعليّة تقييدا وتعليلاً، وليس فيه محذور أصلاً.
وأقول: منشأ هذا الاعتراض والإيراد هو الغفلة عن تحقيق معنى الحيثيّة التقييديّة والمقصود منها، فلنحقّق ذلك أوّلاً ونقول: إنّ العقل إذا لاحظ شيئا واعتبره بوجه معيّن، كان ذلك الشيء مأخوذا من حيث ذلك الوجه ومقيّدا به.