587
الکشف الوافي في شرح أصول الکافي

والجواب عنه أنّ الكلام في الواحد الحقيقي وليس فيه تعدّد بحسب الخارج، والتعدّد الاعتباري بحسب الجهات العقليّة والحيثيّات الانتزاعيّة إنّما هو تعدّد وتكثّر عقلي لا يتحقّق في نفس الأمر إلّا بعد اعتبار العقل وانتزاعه، وليس تعدّدا بحسب نفس الأمر بالفعل، فكيف يكون مصحّحا لاجتماع المتنافيين في محلّ واحد؟ فإنّه يقتضي تعدّدا وتكثّرا بحسب نفس الأمر بل الخارج، ولا تكفي الكثرة الاعتباريّة المتحقّقة بعد اعتبار العقل.
ثمّ إنّ كلّ جهة اعتباريّة فرضت في الواجب يكون اتّصاف الواجب بها معلولاً لذاته؛ لما هو المشهور من أنّ الاُمور الاعتباريّة أيضا تحتاج إلى علّة، وننقل الكلام إليها فيتسلسل؛ فتأمّل فيه.
واعترض بعض الأعاظم ۱ على هذا الدليل أيضا بأنّ التنافي بين الوجوب والإمكان فيما نحن فيه ممنوع؛ إذ الإيجاد إيجاب المعلول لوجوده في حدّ ذاته، والقبول إمكان حصول المقبول في القابل، فالإمكان إمكان الوجود لغيره، والوجوب وجوب الوجود في نفسه، فأين التنافي؟ وأيضا الفاعل يوجب وجود المعلول، والقابل لا يسلب هذا الوجوب والإيجاب، بل يصحّح وجوده بالحصول في القابل، فالتنافي غير مسلّم ۲ .
وأقول: كما أنّ وجود المعلول في نفسه أمر ممكن يحتاج إلى علّة وموجب، كذلك وجود المعلول في غيره أمر ممكن يحتاج إلى موجب، ولا شكّ أنّ القابل من حيث هو قابل لا يوجب وجود المقبول في القابل، فموجب وجوده في غيره أيضا هو الفاعل، فكما أنّه يوجب وجود المعلول في نفسه كذلك يوجب وجوده لغيره وفي غيره، بل الوجود في نفسه ولغيره متّحدان حقيقة، فالتنافي ثابت بيّن.
ثمّ لا يخفى على المتأمّل ثبوت التنافي بين الإيجاب واللا إيجاب، والاقتضاء واللا اقتضاء فمنع التنافي مستندا بأنّ الفاعل يوجب المعلول، والقابل لا يسلب هذا

1.لعلّ مراده صدر المتألّهين حيث ذكره في الحكمة المتعالية.

2.ذكره صدر المتألّهين في الحكمة المتعالية، ج ۸، ص ۱۲۹ ـ ۱۳۰.


الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
586

ثمّ إنّه قد يراد به المفهوم المقيّد كما في قولك: الحيوان من حيث إنّه ناطق عين النوع، فإنّ المراد نفس مفهوم الحيوان المقيّد، وقد يراد به ما صدق عليه هذا المفهوم المقيّد كما في قولهم: المجرّد من حيث إنّه حضر عنده مجرّد عالمٌ، ومن حيث إنّه حضر عند مجرّد معلومٌ فإنّه لا يراد به أنّ مفهوم النفس مقيّدا بهذا القيد عالمٌ، ومقيّدا بذلك القيد معلومٌ؛ ضرورة أنّه ليس هذا المفهوم المقيّد الاعتباري عالما، وليس ذلك المفهوم المقيّد الاعتباري معلوما، كيف؟ وليس ذلك النفسَ، فليس علم النفس به علما بنفسه، بل المراد أنّ ذات النفس باعتبار يصدق عليها أنّه يحضر عندها مجرّد وفرد لهذا المفهوم معلوم.
وبعد تحقيق ذلك نقول: إنّ معنى قوله: «الفاعل من حيث إنّه فاعل موجب للمفعول» أنّ فرد الفاعل باعتبار أنّه فرد الفاعل مع قطع النظر عن كونه فردا للقابل موجب للمفعول، وكذلك نقول في القابل: إنّ فرد القابل باعتبار أنّه فرد له مع قطع النظر عن كونه فردا للفاعل لا يوجبه ولا يقتضيه أصلاً.
والحاصل أنّ هاهنا فردين مختلفين بالاعتبار أحدهما الفاعل المخصوص، والثاني القابل المخصوص، وفرد الفاعل موجب للمفعول دون فرد القابل؛ فإنّ العقل إذا لاحظ فرد الفاعل، وأغمض عن كونه فرد القابل، يجده مقتضيا لمفعوله، وإذا لاحظ فرد القابل، وأغمض عن كونه فرد الفاعل، لا يجده موجبا لمقبوله، بل يجده غير مقتضٍ له، فلا يمكن أن يكون شيء واحد بسيط من جهة واحدة فردا للقابل والفاعل معا بالنسبة إلى أمر واحد، وإلّا لكان موجبا له غير موجب له معا، وهذا بديهيّ البطلان، ضروريّ الامتناع؛ فتأمّل فإنّه دقيق.
واعترض عليه المحقّق الدواني أيضا بأنّهم جوّزوا كون علمه تعالى ـ مع أنّه عين ذاته وذاته واحد بسيط حقيقي ـ قدرةً باعتبار صحّة الفعل والترك، وإرادةً باعتبار وجوب الفعل عنه، فلِمَ لا يجوز أن يكون الأمر في الفاعليّة والقابليّة أيضا كذلك، فيكون باعتبار الفاعليّة يجب له الصفة، وباعتبار القبول لم تجب.

  • نام منبع :
    الکشف الوافي في شرح أصول الکافي
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 125482
صفحه از 739
پرینت  ارسال به