كمال يتعاقب أفراده بغير بداية ونهاية، ويكون حصول كلّ لاحق مشروطا بزوال السابق على ما ذكره الحكماء من حركات الأفلاك، فالخلوّ عن كلّ فرد يكون شرطا لحصول كمال، بل لاستمرار كمالات غير متناهية، فلا يكون نقصا ۱ .
وأقول: هذا مدفوع من وجهين:
أحدهما: أنّ هذا الدليل على طريقة المتكلّمين ومبنيّ على امتناع التسلسل مطلقا، سواء كان على سبيل الاجتماع في الوجود، أو على سبيل التعاقب، وقد مرّ الدلالة على ذلك.
وثانيهما: أنّ ۲ على هذا يلزم قِدَم نوع الكمال المغاير لذات الواجب، فيلزم القول بتعدّد القديم وهو باطل مطلقا بإجماع الاُمّة.
وإمّا ۳ أن يكون قديما، فيلزم تعدّد القدماء وهو كفر بإجماع المسلمين.
قيل: لا نسلّم أنّ القول بتعدّد القديم مطلقا كفر بالإجماع، بل إنّما يكون الإجماع على كفر من قال بتعدّد القديم الذاتي ـ أي ما لا يكون مسبوقا بغيره ـ لا بتعدّد القديم الزماني، أي ما لا يكون مسبوقا بالعدم. وذلك كما ترى؛ فتأمّل فيه.
المسألة الثانية
أنّه تعالى لا يكون متقوّما بغيره، وقد مرّ الدلالة على نفي تركيبه تعالى ببعض الوجوه، وقد استدلّ عليه بوجه آخر، وقيل: اعلم أنّ الجزء إمّا فعلي تركيبي، أو معنوي ذهني، أو تحليلي وهمي، والواجب ـ تعالى شأنه ـ منزّه عن جميع أنواعه.
أمّا أنّه منزّه عن الأجزاء التحليليّة الوهميّة، فلأنّ الواجب ـ على ما مرّ ـ ليس بجسم ولا جسماني، والأجزاء التحليليّة الوهميّة الوضعيّة مختصّة بالجسم والجسمانيات.
وأمّا كونه متنزّها عن الأجزاء المعنويّة الذهنيّة، فلأنّه عبارة عن الأجزاء المحمولة، وهي متغايرة في المفهوم، متّحدة بحسب الوجود، فيحتاج اتّحادهما في الوجود إلى علّة؛ ضرورة