الحديث الشريف موارده ومصادره ومسيره عبرالتاريخ ومصيره في العصر - صفحه 136

وهذا الأمر ممّا دلّت عليه النصوص من الآيات المحكمة والأحاديث القطعيّة، كما هي معلومةٌ من سيرة الأُمّة، حتّى أصبحت حجّية الحديث والسيرة الشريفة من بديهيّات المعارف الإسلاميّة التي لا ريب فيها ۱ .

بوادر الريب وطلائع المرتابين

ولم يظهر الريب من أحدٍ ممّن آمن وسلّم للرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وإنّما ظهرت بوادر الريب من الذين قالوا بأفواههم: «أسلمنا» ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، فكانوا ـ بعد أن لم يجدوا طريقا للتشكيك في القرآن ـ يمنعون من تقييد ما يقوله النبيّ من غير القرآن ، فكانوا يشيعون أنّ النبيّ بشرٌ قد يغضب فيقول ما لا ينبغي ! وقد ردّهم النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمبقوله : « اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقٌّ »، وأشار بيده إلى فيه ۲ .
بل كانوا يستغلّون قدسيّة القرآن للصدّ عن سائر كلام الرسول صلى الله عليه و آله وسلممن حديثٍ وما يفعله من سيرةٍ وما يخلّفه من سنّةٍ، وكان أبرز مصاديق هذا الاستغلال لمّا ردّوا على الرسول في مرض موته ، حيث هَمّ أن يكتب ما لا تضلّ الأُمّة بعده ، فقيل في ردّه : « حسبنا كتاب اللّه » بعد أن طُعن عليه بالهجر ۳ !
إنّ المرتابين ـ في تلك الفترة ـ لم يعدوا الأفراد ، وبقوا شذّاذا بين الأصحاب ، إلّا أنّهم تمكّنوا من ترسيم المنع وتعميمه ، ولم تطل مدّة المنع الرسمي للحديث تدوينا ونشرا ونقلاً وبثّا ، حتّى عادت الأُمور إلى مجاريها ونهضت الأُمّة بأمر الحديث بما هو حقّه من الضبط والتقييد والنشر، وتمّ ذلك بإجماعٍ من أهل الحلّ والعقد ۴ ، مع ما اقترن بذلك من أغراضٍ سياسيّة وأساليب عدائيّة لتحريف الأهداف السامية التي استهدفها

1.لقد أشبع العلماء البحث عن ذلك في كتب الأُصول (الفقه) والعقيدة، وأجمع كتاب عنه هو « حجّية السنّة » للدكتور الشيخ عبد الغني عبد الخالق ، وهو مطبوع متداول.

2.تدوين السنّة الشريفة : ۸۹، عن مصادر عديدة.

3.انظر : تدوين السنّة : ص ۷۹ ـ ۸۵ .

4.انظر : تدوين السنّة الشريفة : ص ۴ ـ ۱۲ و ۳۰۵ ـ ۳۱۳.

صفحه از 144