الحديث الشريف موارده ومصادره ومسيره عبرالتاريخ ومصيره في العصر - صفحه 139

فانتشر الحديث المكذوب.

* التشكيك في الحديث الصحيح بعد جمعه

ولمّا تنبّهت الأُمّة وأهل الحلّ والعقد منهم إلى الخسارة الفادحة من منع الحديث تدوينا ونشرا، فعمدوا إلى جمعه وتدوينه ، واجهوا أسوأ آثار الريب، وهو: التشكيك في صحّة هذا الذي جُمع ودوّن ، والريب فيه ؛ لأنّ البعد الزمنيّ عن عصر النصّ وعصر صدور الحديث ، وعصر العود إليه بعد قرنٍ، هيّأ الأرضيّة لانتشار هذا الريب وفسح المجال لظهور هذا النقد ونفوذه ، وظهور الجدل في صحّة المجاميع تلك وحجّيتها.
وهذا هو الأمر الذي لا يزال يكرّره المرتابون حتّى يومنا هذا ، ويسمّونه : « مشكلة الحديث » ۱ .

نهوض علماء المسلمين بإحياء الحديث

لكنّ اللّه الذي وعد بحفظ هذا الدين ونصر أهله ، قد قيّض للحفاظ على الحديث من المؤمنين رجالاً جاهدوا في سبيله بكلّ ما أُوتوا من قوّة ، وجاهدوا بأشدّ ممّا قاموا به من جهاد بالأرواح في حروبهم مع الكفّار ، وناضلوا بأقوى ممّا قاموا به بالسيوف والنصال ، فقاوموا وتحمّلوا ما لا يُتصوّر من السجن والتهديد والضرب والتحقير ، ودوّنوا الأحاديث وخلّدوها ، رائدهم في ذلك الجهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، يتبعه الصالحون من الصحابة الكرام ، والفضلاء من التابعين العظام ، كما قاموا بالنقل والرواية والنشر والتحديث ، بأساليب عامّة وخاصّة ، حتّى ملأوا الدنيا من النصوص الشريفة الناصعة بالبلاغة النبويّة ، محقّقةً مصونةً مضبوطةً.

وكان من آثار تلك الجهود المحمودة :

1 ـ وجود مجموعة كبيرة من أُصول الحديث وعيونه بألفاظها المحكمة وطرقها

1.وقد أُلّف كتابٌ بهذا الاسم ملؤه المغالطة والدجل ، ومحاولة الحطّ من الحديث عند المسلمين ، ونحن بصدد الردّ عليه . انظر : تدوين السنّة الشريفة : ص ۵۰۴.

صفحه از 144