الحديث الشريف موارده ومصادره ومسيره عبرالتاريخ ومصيره في العصر - صفحه 142

الإسناد» من مباحث علوم الحديث المصطلح.
ثمّ إنّ الكلينيّ عمد إلى إملاء كتابه هذا في مدينة السلام (بغداد) حين كانت عاصمة الدولة الإسلاميّة ومقرّ أعلام المسلمين آنذاك ، وحيث كانت مجمعا للمحدّثين والعلماء ، وهي على مقربةٍ من أكبر مدرسة علميّة وهي الكوفة ، وذلك بعد أن قام الإمام الكلينيّ برحلةٍ واسعة تجوّل فيها في بلاد الإسلام وعواصمها العلميّة، مثل الكوفة والعتبات المقدّسة في العراق والحجاز، فحجّ مكّة وزار المدينة وحصل في اليمن ورحل إلى الشام ودخل صور ، بعد أن استنفذ المعاهد في بلده « الريّ » حيث مأواه (كلين)، ولابدّ أنّه زار قمّ ومدن خراسان ومشهد الرضا عليه السلام ونيسابور وبيهق ، وغيرها من مراكز العلم والحوزات العلمية الكبرى القريبة منه .
هذا لكنّ التاريخ يضنّ بالإفصاح عن كثيرٍ من هذه الرحلات ولا يفي بالمعلومات ، إلّا أنّ مقتضى سعة الجهد المبذول في تأليف كتاب الكافي وكثرة المشايخ الذين لقيهم مؤلِّفه ، تكشف عمّا ذكرنا .
والنقطة المهمّة أنّه بعد تلك الرحلة الواسعة ، استقرّ الكلينيّ في بغداد ؛ ليملي كتابه هناك وعلى البغداديين من تلامذته والرواة عنه ، فأكثرهم هم من رجال بغداد وما والاها ، وكان ذلك على مشهدٍ من علماء المذاهب الإسلاميّة الأُخرى، وفي مرأىً ومسمعٍ منه ، ومن هنا نجدهم يذكرونه بكلّ خيرٍ ، وملؤ أفواههم التكريم ، ولم نقف منهم على ما يقرب القدح فيه أو في كتابه .
وهذا يدلّ على ما يحمله المؤلّف في كتابه من ثقةٍ واعتماد، وفي ذلك البلد المكتظّ بالأعلام والمشايخ الكبار، من المذاهب الإسلاميّة كافّة، وفي ذلك العصر.
ولكن في العصر الحاضر حيث أخذ شذّاذٌ متطفِّلون على الحديث وعلومه ، يتطاولون على كتاب الكافي الشريف، غير متمسّكين من العلم بعرو ة ، ولم يعرفوا منه سوى ما على صفحات الصحف من الرسوم دون التعمّق في فقه الحديث ومراميه ، ولم يستلهموا المعارف من أساتذتها ومشايخها، وهم يحاولون نقد ما أورده الكلينيّ في

صفحه از 144