فقال له بعض الناس : يا عدوّ اللّه ! كُحِّلَتْ عينك ۱ بالنار ، وقُطّعت يَدَاك ورجلاك ؛ فلم تَجْزَع ، وجَزَعتَ مِنْ قطع لسانك؟! 
 فقال له : يا جاهل! أما واللّه ما جَزَعتُ لقطع لساني ، ولكنّي كرهتُ أنْ أعيش في الدُّنيا فواقا لا أذكر اللّه فيه ! 
 ولمّا قُطِع لسانه اُحرِقَ بالنار . فمَنْ هذه حاله وحال أمثاله في التديّن بذلك ، كيف لا يُخفى قبره حِذار نبشه . 
 حتّى أنّه لمّا جِيء بابن مُلْجَمٍ إلى الحَسَن عليه السلام ، قال : إنّي اُريد أن اُسارَّك بكلمةٍ . 
 فأبى الحَسَن عليه السلام ، وقال : إنّه يريد أن يعضّ اُذني . 
 فقال ابن ملجم لعنه اللّه تعالى : واللّه لو أمكنني منها لأخذتها من صماخها . 
 فإذا كان هذا فِعاله في الحال الّتي هو عليها مرتقبا للقتل ، وحِقدُه إلى هذه الغاية ، فكيف يكون مَنْ هو مُخلّى الرابطة . 
 فهذه حال الخوارج الذين يقضون بذلك حقّ أنفسهم ، فكيف يكون حالُ أصحابِ معاوية وبني اُميّة ، والمُلْك لهم ، والدولة بيديهم؟! 
 ويدلّ على الأوّل : ما ذكره عبد الحميد بن أبي الحديد ، في شرح نهج البلاغة ، فقال : 
قال أبو جعفر الإسكافي : إنّ معاوية بذل لسَمُرة بن جُنْدَب مئة ألف درهمٍ ، حتّى يروي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام :«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»،۲وأنّ الآية الثانية نَزَلت في ابن مُلْجَمٍ لعنه اللّه تعالى ، وهي قوله تعالى :«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ».۳فلم يقبل.
فَبَذل له مئتي ألفٍ فلم يقبل ، فبَذَل له ثلاثمائة ألفٍ فَلَم يقبل ، فبذلَ له أربعمائة ألفٍ فَقَبلَ .۴
                         
                        
                            1.في المخطوطة : «عينيك» وهو تصحيف صحّحناه ، وفي المصادر : «عينك» أو «عيناك».
2.سورة البقرة ، الآيتان ۲۰۴ و ۲۰۵.
3.سورة البقرة ، الآية ۲۰۷ .
4.شرح نهج البلاغة ، ج ۴ ، ص ۷۳.