الدلائل البرهانية في تصحيح الحَضرة الغروية - صفحه 341

فقال له بعض الناس : يا عدوّ اللّه ! كُحِّلَتْ عينك ۱ بالنار ، وقُطّعت يَدَاك ورجلاك ؛ فلم تَجْزَع ، وجَزَعتَ مِنْ قطع لسانك؟!
فقال له : يا جاهل! أما واللّه ما جَزَعتُ لقطع لساني ، ولكنّي كرهتُ أنْ أعيش في الدُّنيا فواقا لا أذكر اللّه فيه !
ولمّا قُطِع لسانه اُحرِقَ بالنار . فمَنْ هذه حاله وحال أمثاله في التديّن بذلك ، كيف لا يُخفى قبره حِذار نبشه .
حتّى أنّه لمّا جِيء بابن مُلْجَمٍ إلى الحَسَن عليه السلام ، قال : إنّي اُريد أن اُسارَّك بكلمةٍ .
فأبى الحَسَن عليه السلام ، وقال : إنّه يريد أن يعضّ اُذني .
فقال ابن ملجم لعنه اللّه تعالى : واللّه لو أمكنني منها لأخذتها من صماخها .
فإذا كان هذا فِعاله في الحال الّتي هو عليها مرتقبا للقتل ، وحِقدُه إلى هذه الغاية ، فكيف يكون مَنْ هو مُخلّى الرابطة .
فهذه حال الخوارج الذين يقضون بذلك حقّ أنفسهم ، فكيف يكون حالُ أصحابِ معاوية وبني اُميّة ، والمُلْك لهم ، والدولة بيديهم؟!
ويدلّ على الأوّل : ما ذكره عبد الحميد بن أبي الحديد ، في شرح نهج البلاغة ، فقال :
قال أبو جعفر الإسكافي : إنّ معاوية بذل لسَمُرة بن جُنْدَب مئة ألف درهمٍ ، حتّى يروي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام :«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»،۲وأنّ الآية الثانية نَزَلت في ابن مُلْجَمٍ لعنه اللّه تعالى ، وهي قوله تعالى :«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ».۳فلم يقبل.
فَبَذل له مئتي ألفٍ فلم يقبل ، فبَذَل له ثلاثمائة ألفٍ فَلَم يقبل ، فبذلَ له أربعمائة ألفٍ فَقَبلَ .۴

1.في المخطوطة : «عينيك» وهو تصحيف صحّحناه ، وفي المصادر : «عينك» أو «عيناك».

2.سورة البقرة ، الآيتان ۲۰۴ و ۲۰۵.

3.سورة البقرة ، الآية ۲۰۷ .

4.شرح نهج البلاغة ، ج ۴ ، ص ۷۳.

صفحه از 388