۰.وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي اُناديهِ كُلَّما شِئتُ لِحاجَتي [بحاجتي]«18 »وأخلو بِهِ حَيثُ شِئتُ لِسِرّي بِغَيرِ شَفيعٍ فَيَقضي لي حاجَتي «19 »
النداء : رفع الصوت وظهوره ، وقد يُقال للصوت المجرّد دون المعنى ، كما في قوله سبحانه : «كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَا دُعَآءً وَ نِدَآءً » ، ۱ أي لا يعرف إلّا مجرد الصوت دون المعنى ، وذلك يناسب لدعاء البعيد للبعيد ، ولعلّ استعمال هذه الكلمة فيما بين اللّه تعالى وبين عبده من أجل البعد الرتبي بين الخالق والمخلوق ، والواجب والممكن ، والغنيّ بالذات والفقير بالذات ، وبين القادر والعاجز ، لاسيّما إذا رأى العبد نفسه عاصيا ومقصّرا ، وعادما للفضائل والكمالات ، وفي الدعاء : «وكن لدعائي مجيبا ومن ندائي» ، ۲ أي سريع الإجابة ؛ لأنّ القرب ليس المراد منه القرب المحسوس ، بل هو المعنوي برحمته ورأفته وكرمه.
والغرض من هذه الجملة بيان إذنه تعالى لعبده في الدعاء كلّما شاء وحيثما أراد ، تحنّنا وكرما منه تعالى ، بل أمره له بالدعاء ؛ فلو لم يأذن لم يكن له الدعاء والنداء ، قال عليه السلام : «يا من ذكره شرف للذاكرين» ، ۳ أي ذكره تعالى باللّسان أو القلب شرف لذاكره وفائدته عائدة إليه ، وفي الدعاء «فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا ، تشريفا لنا وإكراما وتفخيما وإعظاما» ۴ و«لولا الواجب من قبول أمرك لنزّهتك من ذكري إيّاك» . ۵
«وأخلوا به» الخلاء : المكان الذي لا سائر فيه من بناء وساكن ، وخلى فلان بفلان ؛ صار معه في خلاء. إشارة إلى قربه تعالى من عبده برحمته وكرمه ، حتّى قال عزّ شأنه : «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » ، ۶ وقال عزّ وجلّ : «أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » ، ۷ فمن جهته هو سبحانه قريب من عبده وعالم بجميع أُموره ومحيط به ، يعلم ما في صدره ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فيخلو العبد به ويناجيه ويبثّ إليه أسراره ، ولكنّه بعيد منه بإمكانه وفقره وجهله فيناديه ، ومع ذلك أذن له أن يناديه ويناجيه ويطلب منه ما يريد ، ولا يحتاج إلى شفيع ؛ لأنّ شفيعه ذلّه وعجزه وفقره مع كرم مولاه ورحمته وعفوه فيبثّ إليه من أسراره ما هو أعلم به منه.
الشفع : ضمّ الشيء إلى الشيء ، ويقال للمشفوع شفع ، والشفاعة : الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلاً عنه ، وأكثرما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من أدنى ، ومنه الشفاعة في القيامة ، وللبحث عنها مجال آخر.
فالحمد للّه تعالى على إذنه لعبده أن يناديه ويناجيه كلّما شاء وأراد لحوائجه من احتياجٍ إلى شفيع يشفع له في قضاء حوائجه.
1.البقرة : ۱۷۱.
2.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۱۳ .
3.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۱۱ .
4.الصحيفة السجّادية ( مناجاة الذاكرين ) : ص ۴۱۹ .
5.الصحيفة السجّادية ( مناجاة الذاكرين ) : ص ۴۱۸ .
6.ق : ۱۶.
7.الأنفال : ۲۴ .