۰.وأعلَمُ أنَّكَ لِلرّاجينَ ۱ بِمَوضِعِ إجابَةٍ«33 »ولِلمَلهوفينَ بِمَرصَدِ إغاثَةٍ «34 »وأنَّ فِي اللَّهفِ إلى جودِكَ وَالرِّضا بِقَضائِكَ عِوَضا مِن مَنعِ الباخِلينَ«35 »ومَندوحَةً ۲ عَمّا في أيدِي المُستَأثِرينَ «36 »
«وأعلم أنّك للراجين» أي ، وأعلم أنّك لمن يرجوك ويأمل فضلك بموضع إجابة ، والباء للظرفيّة والرجاء يحثّ على العمل ، في الحديث عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قلت : قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو ، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت ، فقال عليه السلام : هؤلاء قوم يترجّحون في الأمانيّ ، كذبوا ليسوا براجين ، إنّ من رجا شيئا طلبه ، ومن خاف من شيء هرب منه» . ۳
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «يدّعي بزعمه أنّه يرجو اللّه ، كذب والعظيم ، ما باله لا يتبيّن رجاؤه في عمله؟ فكلّ من رجا عرف رجاؤه في عمل ، وكلّ رجاء إلّا رجاء اللّه تعالى فإنّه مدخول ، وكلّ خوف محقّق إلّا خوف اللّه فإنّه معلول يرجو اللّه في الكبير ، ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الربّ» ، ۴
وفي الكتاب الكريم : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَـهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ » ، ۵ وقال عزّ وجلّ : «فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَــلِحًا وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا » . ۶
«وللملهوفين بمرصد إغاثة» اللهف : الحزن والتحسّر ، والملهوف : الحزين ذهب له مال أو فُجع بحميم ، والمظلوم ينادي ويستغيث واللّاهف واللهفان يستغيث ويتحسّر ، والباء للظرفية.
الرصد : الاستعداد للترقّب ، «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» تنبيها أنّه لا ملجأ ولا مهرب ، يعني أنّه عزّ شأنه مترصّد ومترقّب لإغاثة الملهوفين ، أي المظلومين أو المفجوعين ، لا يفوته شيء ، يسمع ويرى جميع أحوالهم وأفعالهم . أي اعلم أنّك في مرصد إغاثة للملهوفين.
«وإنّ في اللّهف إلى جودك» يعني اعلم إنّ في اللّهف والاستغاثة إلى جودك ، «والرضا بقضائك ، عوضا من منع الباخلين» كأنّ الداعي مردّد بين أن يتضرّع إلى اللّه تعالى ويستغيث ، وبين أن يطلب من الباخلين المانعين ، ومن البديهي عند العقل أنّ الأوّل متعيّن . وعِوض ـ كعِنب ـ : البدل ، والبخل : إمساك المقتنيات عمّا لا يحلّ حبسها عنه ، يقابله الجود ، والبخل ضربان : بخل بقُنيات نفسه ، وبخل بقُنيات غيره. ۷
في اللّهف إلى جوده والطلب منه مع الرضا بقضائه سبحانه ، وهو القنوع ، عزّ وجاه ، قال عليه السلام : «كفى بالقناعة ملكا وبحسن الخلق نعيما» ، ۸ وسُئل عن قوله تعالى : «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً »۹ فقال : «هي القناع» ، ۱۰ وفي الدعاء : «فصلّ على محمّد وآله ، وسهلّ عليّ رزقي ، وأن تقنعني بتقديرك لي ، وأن ترضيني بحصّتي» ، ۱۱ وفي آخر : «اللّهمّ إنّي أعوذ بك ... وقلّة القناعة» ، ۱۲ وفي آخر «وأعذني من سوء الرغبة وهلع أهل الحرص ، وصوّر في قلبي مثال ما ادّخرت لي من ثوابك ... واجعل ذلك سببا لقناعتي بما قضيته وثقتي بما تخيّرت». ۱۳
«ومندوحة عمّا في أيدي المستأثرين» المندوحة : السعة ، الاستئثار التفرّد بشيء من دون غيره ، يعني إنّ في اللّهف إلى اللّه تعالى والرضا بقضائه سعة عن طلب ما في أيدي الجامعين المدّخرين للأموال والحرص عليها.
1.في المصدر : «للراجي» ، وما أثبتناه من المصادر الاُخرى ، إذ هو المناسب للسياق .
2.مندوحة : أي سعةً وفسحةً (النهاية : ج ۵ ص ۳۵) .
3.الكافي : ج ۲ ص ۶۸ ح ۵ ، مشكاة الأنوار : ص ۲۱۲ ، بحار الأنوار : ج ۶۷ ص ۳۵۷ .
4.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۰ ، مكارم الأخلاق : ص ۸ ، بحار الأنوار : ج ۶۷ ص ۳۵۸ .
5.البقرة : ۲۱۸ .
6.الكهف : ۱۱۰.
7.قُنيات : المدّخرات ، وقُنيات نفسه ، أي ما ادّخره لنفسه من قنا المال ، جمعه وكسبه واتّخذه منه لا للتجارة. اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۸ .
8.نهج البلاغة : الحكمة ۲۲۹ ، بحار الأنوار : ج ۶۸ ص ۳۴۵ .
9.النحل : ۹۷ .
10.بحار الأنوار : ج ۶۸ ص ۳۴۵ .
11.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۳ .
12.المصدر السابق : الدعاء ۸ .
13.المصدر السابق : الدعاء ۱۴ .