۰.اللّهُمَّ أنتَ القائِلُ وقَولُكَ حَقٌّ ووَعدُكَ صِدقٌ«50 » «وَسْئلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ » ، ۱«إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا۲» ، ۳ ولَيسَ مِن صِفاتِكَ يا سَيِّدي أن تَأمُرَ بِالسُّؤالِ وتَمنَعَ العَطِيَّةَ «52 » وأنتَ المَنّانُ بِالعَطِيّاتِ عَلى أهلِ مَملَكَتِكَ«53 »وَالعائِدُ عَلَيهِم بِتَحَنُّنِ رَأفَتِكَ «54 »
«اللّهمّ» يا اللّه ، «أنت القائل» في القرآن المجيد ، «وقولك حقّ» حيث تأمر بالسؤال عنك وتنهى عن تمنّي ما فضّلت بعضا بقوله سبحانه : «وَلَا تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمًا » . ۴
أي لا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم من النعم الدنيوية كالمال والأولاد والجاه ، فلعلّ عدمه خير لكم ، كما قال عزّ شأنه : «عَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ » . ۵
وقيل : المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض ، وهو خلاف ظاهر الآية ، «والمقتضي للمنع كونه ذريعه إلى التحاسد والتعادي معربة عن عدم الرضا بما قسم اللّه له ، وأنّه تشهٍّ لحصول الشيء له من غير طلب ، وهو مذموم ؛ لأنّ تمنّي ما لم يُقدّر له معارضة لحكم القدر ، وتمنّي ما قُدّر له بكسب بطالة وتضييع حظّ ، وتمنّي ما قُدّر له بغير كسب ضائع ومحال» ، «لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ » ، ۶ فاطلبوا الفضل من اللّه تعالى بالعمل لا بالتحاسد والتمنّي .
«واسألوا اللّه من فضله» أي لا تتمنّوا ما للناس ، بل اسألوا اللّه من فضله من خزائنه الّتي لاتنفذ ، وهو يدلّ على أنّ المنهيّ هو الحسد أو الطمع فيما في أيدي الناس . ۷
وقال الأُستاذ العلّامة الطباطبائي قدس سرهم : و«ظاهر الآية أنّها مسوقة للنهي عن تمنّي فضل وزيادة موجودة ثابتة بين الناس ، وأنّه ناشىٍ عن تلبّس بعض طائفتي الرجال والنساء بهذا الفضل ، وأنّه ينبغي الإعراض عن التعلّق بمن له الفضل والتعلّق باللّه بالسؤال من الفضل الذي عنده تعالى . وبهذا يتعيّن أنّ المراد بالفضل هو المزيّة الّتي رزقها اللّه تعالى كلّاً من طائفتي الرجال والنساء بتشريع الأحكام الّتي شرّعت في خصوص ما يتعلّق بالطائفتين كلتيهما ، كمزيّة الرجال على النساء في عدد الزوجات وزيادة السهم في الميراث ، ومزيّة النساء على الرجال في وجوب جعل المهر لهنّ ووجوب نفقتهنّ على الرجال ...» . ۸
وقد أبهم الفضل الذي يجب أن يسأل منه بدخول لفظة «من» عليه . وفيه من الفائدة :
أوّلاً : التعليم بأدب الدعاء ، والمسألة من جنابه تعالى ، فإنّ الأليق بالإنسان المبنيّ على الجهل بما ينفعه ويضرّه ـ بحسب الواقع ـ إذا سأل ربّه العالم بحقيقة ما ينفع خلقه وما يضرّهم القادر على كلّ شيء وأن يسأله الخير فيما تتوق نفسه إليه ، ولا يطنب في تشخيص ما يسأله منه ، وتعيين الطريق إلى وصوله ، فكثيرا ما رأينا من كانت تتوق نفسه إلى حاجةٍ من الحوائج الخاصّة ، كمالٍ أو ولدٍ أوجاهٍ ومنزلةٍ أو صحّةٍ وعافية ، وكان يلحّ في الدعاء والمسألة لأجلها لايريد سواها ، ثمّ لمّا استجيب دعاؤه وأُعطي مسألته ، كان في ذلك هلاكه وخيبة سعيه في الحياة.
وثانيا : الإشارة إلى أن يكون المسؤول ، ما لايبطل به الحكمة الإلهيّة في هذا الفضل الذي قرّره اللّه تعالى بتشريعٍ أو تكوين ... ۹ .
«وليس من صفاتك» قال الراغب : «الوصف ذكر الشيء بحلّيته ونعته ، والصفة الحالة الّتي عليها الشيء من حلّيته ونعته» ، ۱۰ قال في المجمع : « النعت لايقال في القبيح ، والوصف يقال في الحسن والقبيح» ، ۱۱ وقال : «الصفة كالعلم والسواد ... ويقال : الصفة إنّما هي الحال المنتقلة ، والنعت ما كان في خُلق أوخَلق». ۱۲
«يا سيّدي أن تأمر بالسؤال» أي طلب الحوائج منه تعالى .
«وتمنع العطية» العطو : التناول ، والمعاطاة المناولة ، والإعطاء الإنالة ، واختصّ العطاء والعطية بالصلة . ۱۳
وذلك لأنّ الأمر به إيحاء إلى الوعد بالإجابة والإعطاء ، واللّه سبحانه يستحيل أن يخالف وعده ، لاسيّما بعد أمره بالسؤال.
«وأنت المنّان بالعطيّات» الجملة حالية للتأكيد على امتناع ردّه سبحانه سؤال عبده ، والمنّان من أسمائه تعالى. قال الراغب : «والمنّة : النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال منّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة ، وعلى ذلك قوله : «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » ، ۱۴ وذلك على الحقيقه لايكون إلّا للّه تعالى .
والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس ، إلّا عند كفران النعمة...» ۱۵ وقال سبحانه : «لَا تُبْطِـلُواْ صَدَقَـتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى » . ۱۶
وفي الحديث : «سُئل علي عليه السلام عن الحنّان والمنّان ، فقال : الحنّان هو الذي يقبل على من أعرض عن ، والمنّان هو الذي يبدأ بالنوافل قبل السؤال» . ۱۷ والمراد كونه تعالى كثير العطاء ابتداءً ، من منّ عليه منّا أي أنعم عليه من غير تعب ولانصب ، وعن الكلّيات : «المنّ ما يمنّ اللّه به ممّا لاتعب فيه ولانصب ، فهو المنّ ، فاللّه سبحانه هو المبتدئ بالنعم على عباده وأهل مملكته ، فكيف يمكن أن يمنع العطيّة بعد السؤال ويخلف الرجاء بعد الوعد ؟» . ۱۸
«على أهل مملكتك» أهل الرجل من يجمعه وإيّاهم النسب أوالدين أو ما يجري مجراهما ، من صناعة وبيت وبلد وضيعة ، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإيّاهم مسكن واحد ، ثمّ تجوّز به فقيل : أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإيّاهم نسب ، وأهل الإسلام من يجمعهم . ۱۹
المملكة : سلطان الملك وبقاعه الّتي يتملّكها .
«والعائد عليهم» أي المتفضّل عليهم ، وفي الدعاء : «عدت عليهم برحمتك» ، ۲۰ و«عد على سيّئاتي بعفوك» ، ۲۱ و«عد عليّ بعائدة رحمتك» ، ۲۲ قال السيّد : «وعاد علينا بمعروفه يعود عودا ، من باب قال : تفضّل وتعطّف ، والاسم العائدة ، تقول : ما أكثر عائدة فلان على قومه ، وأنّه لكثير العوائد عليهم ؛ أي كثير الإفضال والتعطّف» . ۲۳ انتهى .
«بتحنّن رأفتك» التحنّن : الترحيم ، وتحنّن عليهم ترحّم وتعطّف ، العرب تقول : حنانيك يا ربّ ، أي ارحمني رحمة بعد رحمة ، وهو كلبّيك ، «وَ حَنَانًا مِّن لَّدُنَّا » ، ۲۴ أي رحمة ، والحنّان مشدّدا من أسمائه تعالى ، أي ذو الرحمة ، وحنان بالتخفيف الرحمة .
الرأفة : من رأف اللّه بك رأفة ، أي رحم أشدّ الرحمة ، وقال الراغب : «الرأفة : الرحمة» ، ۲۵ وقال ابن الأثير : «الرّأفة : أرقّ من الرحمة ، ولاتكاد تقع في الكراهة ، والرحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة» . ۲۶
تذكرة : إنّ قوله عليه السلام «واسألوا اللّه من فضله ، إنّ اللّه كان بكم رحيما» ، الظاهر أنّ هذه الجملة اشتباه من الناسخ ؛ لأنّ الجملة الأُولى من الآية 32 وذيلها : «إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمًا » ، والجملة الثانية من الآية 29 ، ويحتمل أن يكون من فعل الإمام عليه السلام . جمع بينهما لإفادة مهمّين ، أحدهما : أمره تعالى بالسؤال ، وثانيهما : تأكيده بأنّه رحيم على عباده.
1.النساء : ۳۲.
2.إشارة إلى قوله تعالى : « وَسْئلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمًا » (النساء : ۳۲) .
3.النساء : ۲۹.
4.النساء : ۳۲.
5.البقرة : ۲۱۶.
6.النساء : ۳۲.
7.ذكره في المجمع ، وذكر في تطبيق الآية الكريمة وجوها ، اُنظر : تفسير البيضاوي : ج ۲ ، ص ۱۸۰ ، اُنظر : الكشّاف و الميزان في تفسير القرآن فإنّه قدس سره جمع بين القوسين .
8.أسقطنا كلاما طويلاً مع اشتماله على الفوائد ؛ خوف الإطالة .
9.اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج ۴ ص ۳۵۷ ـ ۳۶۰.
10.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۲۵ .
11.اُنظر : مجمع البحرين : ج ۴ ص ۳۳۳ ، النهاية : ج ۵ ص ۷۹ .
12.مجمع البحرين : ج ۴ ص ۵۰۸ .
13.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۳۸ .
14.آل عمران : ۱۶۴.
15.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۷۴ .
16.البقرة : ۲۶۴.
17.أحكام القرآن لابن عربي : ج ۴ ص ۱۱۰ ، تفسير القرطبي : ج ۱۶ ص ۹۴ ، تاريخ بغداد : ج ۱۱ ص ۳۳ ، ميزان الاعتدال : ج ۲ ص ۶۲۶ ، لسان الميزان : ج ۴ ص ۲۷ ، البداية والنهاية : ج ۱۲ ص ۴۶ .
18.اُنظر : مجمع البحرين في «حنن» و«منن» ؛ أقرب الموارد ، بحار الأنوار : ج ۴ ص ۲۰۳ ، مجمع البيان : ج ۲ ص ۵۳۱ . وفي العين والنهاية : هو الإحسان إلى من لا يستثيبه ، واُنظر : رياض السالكين : ج ۲ ص ۲۹۶ في شرح الدعاء السادس .
19.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۹ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۰ ص ۶۶ .
20.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۸.
21.المصدر السابق : الدعاء ۳۱ .
22.المصدر السابق : الدعاء ۳۲.
23.رياض السالكين : ج ۴ ص ۴۵۷.
24.مريم : ۱۳ .
25.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۰۸ .
26.النهاية : ج ۲ ص ۱۷۶ ، مجمع البحرين : ج ۲ ص ۱۱۳ .