و بهذا فقد ذكر الخليل أربع معانٍ للمنارة، فيما ذكر ابن منظور معانٍ أخري يرجع بعضها إلي ما ذكره الخليل مع الإغماض عن بعض الخصوصيات. و عليه فالمعاني الرئيسية لهذه المفردة وفقاً لما ذكره الخليل الفراهيدي هي:
المنارة، مفعلة من الإنارة و بدء ذلك أنهم كانوا ينورون في الجاهلية ليهتدى و يقتدى بها.
المنارة: الشمعة ذات السراج.
المنارة: ما يوضع عليه المسرجة.
المنارة: للمؤذن.
فالمنارة إذن لها معاني عديدة في عصر الخليل و امّا في العصر الحاضر فلا نجد استعمالها إلاّ بمعني واحد و هو المئذنة کما هو واضح لمن له أدني اطلاع علي استعمالات اللغة العربية المعاصرة، أو فقل: إنها تعني: البناء المرتفع ذو الشكل الاسطواني غالباً و الذي يكون أمام المسجد أو على أحد طرفيه عادة و قد يطلق عليها «المئذنة» أيضاً و يرادفها بالفارسية لفظ «گلدسته».
و المهم في هذا المجال هو معرفة المعني المناسب للمنارة في الحديث المذكور من بين هذه المعاني كي نستوحي منه الرسالة المقصود بيانها، لأن مفردات الأحاديث لا يمکن تفسيرها وفق معانيها في العصر الحاضر، بل ينبغي فهمها و تفسيرها وفقاً لمعانيها في عصر صدورها كما سلف بيانه.
و السبيل الوحيد لمعرفة المعني المقصود من «المنارة» في هذا النص هو دراسته بعد تتبع القرائن التي من شأنها بيان ذلك، بما في ذلك استعمال هذه المفردة في الأحاديث الأخري و ملاحظة فهم المحدثين لها، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأوضاع الاجتماعية و الثقافية السائدة علي المجتمع آنذاك، فلکل منها دوره الفاعل في تحديد المعني المقصود من هذه المفردة و نظائرها.
1. المنارة في الحديث
إذا تتبعنا الأحاديث التي استعملت هذه المفردة في الكتب الأربعة وجدنا أنها أربعة أحاديث _ مع حذف المكرر منها _ أحدها الحديث محلّ الکلام وثلاث أحاديث أخرى إليك نصها:
في كتاب «من لا يحضره الفقيه»: قالَ الصّادِقُ(عليهالسلام) في حديث حول مسجد الخيف و المحلّ