27
مكاتيب الأئمّة ج3

5

كتابُه عليه السلام إلى معاوية

في إظهار دسائسه

عمرو بن ثابت قال :
كنت أختلف إلى أبي إسحاق السَّبيعيّ ۱ سَنة أسأله عن خطبة الحسن بن عليّ عليه السلام ، فلا يحدِّثني بها، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشَّمس وعليه برنسه كأ نَّه غُول، فقال لي: مَن أنت؟ فأخبرته ، فبكى وقال : كيف أبوك؟ وكيف أهلك؟ قلت: صالحون، قال : في أيّ شيء تردّد منذ سَنة؟ قلت : في خطبة الحسن بن عليّ بعد وفاة أبيه .
قال : (حدَّثني هُبَيْرَة بن بريم ۲ ) ۳ ، وحدَّثني محمَّد بن محمَّد الباغنديّ ، ومحمَّد بن حَمدان الصّيدلانيّ ، قالا : حدَّثنا إسماعيل بن محمَّد العلويّ ، قال : حدَّثني عمِّي عليّ بن جعفر بن محمَّد ، عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، والمعنى قريب ، قالوا :
خطب الحسن بن عليّ عليهماالسلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال :
لَقَد قُبِضَ في هذهِ اللَيلَةِ رجُلٌ لَم يَسبِقْهُ الأوَّلونَ بِعَمَلٍ ، وَلا يُدرِكُهُ الآخِرونَ بِعَمَلٍ ، وَلَقَد كانَ يُجاهِدُ مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَيَقيهِ۴بِنَفسِهِ ، وَلَقَد كانَ يُوَجِّهُهُ بِرايَتِهِ ، فَيَكتَنِفُهُ جَبرَئيلُ عَن يَمينِهِ ، وميكائيلُ عَن يَسارِهِ ، فَلا يَرجِعُ حَتَّى يَفتَحَ اللّه ُ عَلَيهِ ، وَلَقَد تُوفِّيَ في هذهِ الليلةِ الَّتي عُرجَ فيها بِعيسى بنِ مَريمَ ، ولقد تُوفِّيَ فيها يُوشَعُ بنُ نوحٌ وَصِيُّ موسى ، وما خَلَّفَ صَفْراءَ ولا بَيضاءَ إلاَّ سَبعمائَةَ دِرهَمٍ مِن عَطائِهِ ، أرادَ أنْ يَبتاعَ بِها خادِماً لِأَهلِهِ . ثمَّ خَنَقَتهُ العَبرَةُ ، فَبَكى وَبَكى النَّاسُ مَعَهُ ، ثُمَّ قالَ :
أيُّها النَّاسُ مَن عَرَفَني فَقَد عَرَفَني ، وَمَن لَم يَعرِفني فَأنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، أنَا ابنُ البشيرِ ، أنَا ابنُ النَّذيرِ ، أنا ابنُ الدَّاعي إلى اللّه ِ عز و جل بإذنِهِ ، وَأنَا ابنُ السِّراجِ المُنيرِ ، وَأنَا مِن أهلِ البَيت ِ الَّذينَ أذهَبَ اللّه ُ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطَهَّرَهُم تَطهيراً ، والَّذين افترَضَ اللّه ُ مَوَدَّتُهم في كتابِهِ إذْ يقولُ :« وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا »۵. فاقترافُ الحَسَنَةِ مَوَدَّتُنا أهلَ البَيتِ .

قال أبو مِخْنَف ۶ عن رجالِهِ :
ثمَّ قامَ ابن عبَّاس بَينَ يَدَيهِ ، فَدَعا النَّاسَ إلى بَيعَتِهِ ، فاستجابوا لَهُ ، وَقالوا : ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة فبايعوه . ثم نزل عن المنبر .
قال : ودسَّ معاوية رجلاً من بني حِمْيَر إلى الكوفة ، ورجلاً من بني القَيْن إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار ، فدُلَّ على الحِمْيريّ عند لحام جرير ، وَدُلَّ على القَيْنيّ بالبصرة في بني سُليم ، فَأُخِذا وَقُتِلا .
وَكَتبَ الحسَنُ إلى مُعاوِيَةَ :
أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّك دَسَستَ إليَّ الرِّجالَ ، كأنَّك تُحِبُّ اللّقاءَ ؛ وما أَشُكُّ في ذلِكَ فَتَوَقَّعهُ إِن شاءَ اللّه ُ ، وَقَد بَلَغَني أنَّك شَمِتَّ بِما لا يَشمَتُ بهِ ذَوو الحِجى ؛ وَإنَّما مَثَلُكَ في ذلِكَ كما قالَ الأوَّلُ :
وَقُلْ للَّذِي يَبغي خِلافَ الَّذِي مَضىتَجَهَّز لِأُخرى مِثلَها فَكَأنْ قَدِ
وَإنَّا وَمَن قَد ماتَ مِنَّا لَكالَّذِييَروحُ ويُمسي فِي المَبيت لِيَغتدِي

فأجابه معاوية :
أمَّا بعدُ ؛ فقد وصل كتابُكَ ، وَفَهِمتُ ما ذكرتَ فيهِ ؛ وَلَقد عَلِمتُ بما حدَثَ فَلم أفرح ولم أحزن ، وَلَم أشمَت وَلَم آسَ ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ كما قال أعشى بني قَيْسِ بنِ ثعلَبَةَ :
وَأنْتَ الجَوادُ وأنتَ الَّذيإذا ما القلوبُ مَلأنَ الصُّدُورا
جَديرٌ بِطَعنَةِ يَومِ اللِّقاءِ تَضرِبُ منها النِّساءُ النُّحورَا
وَما مُزْبَدٌ۷مِن خَليجِ البحارِ يَعلْو الإكامَ ويَعلُو الجُسورا
بِأجَودَ مِنهُ بِما عِندَهُفَيُعطي الأُلوفَ وَيُعطى البُدُورا۸

1.أبو إسحاق السّبيعيّ قال في الكنى والألقاب : عمرو بن عبد اللّه بن عليّ الكوفيّ الهمدانيّ من أعيان التّابعين ، وفي البحار عن الاختصاص روى محمّد بن جعفر المؤدّب ، أنّ أبا إسحاق صلّى أربعين سنة صلاة الغداة بوضوء العَتَمة .. . ، وكان يختم القرآن في كلّ ليلة ، ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في الحديث عند الخاصّ والعامّ . كان من ثقات عليّ بن الحسين عليهماالسلام .. . ، وقبض وله تسعون سنة (الكنى والألقاب : ج ۱ ص ۶) . قال ابن حجر : عمرو بن عبد اللّه بن عبيد أبو إسحاق السبيعيّ الهمدانيّ ، والسبع من الهَمْدان ، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان (راجع : لسان الميزان : ج ۷ ص ۳۲۶ الرقم ۴۲۶۶) . وروى عن عليّ بن أبي طالب ، وعن جماعة ، ومات سنة تسع وعشرين ومائة (راجع : الغارات : ج ۲ ص ۷۰۲) .

2.هُبَيْرَة بن بريم قال في تهذيب التّهذيب : هبيرة بن بريم الشّيبانيّ ، ويقال : الخارنيّ أبو الحارث الكوفيّ ، روى عن عليّ وطلحة وابن مسعود والحسن بن عليّ وابن عباس ، وعنه أبو إسحاق السّبيعيّ وأبو فاختة ، قال الأثرم عن أحمد : لا بأس بحديثه ، هو أحسن استقامة من غيره . . . ، قال عيسى بن يونس : كان هبيرة خال العاليّة زوجة أبي إسحاق السبيعيّ (تهذيب التهذيب : ج ۶ ص ۱۸ الرقم ۸۵۲۱) . وذكره ابن حبّان في الثّقات : مات سنة ستّ وستّين (الثقات : ج ۵ ص ۵۱۱) .

3.في شرح نهج البلاغة : «مريم» بدل «بريم» ، أقول : ما وجدنا له بهذا العنوان اسماً في كتب رجال الحديث .

4.في شرح نهج البلاغة : «فيسبقه» بدل «فيقيه» .

5.الشّورى : ۲۳ .

6.أبو مخنف قال في جامع الرّواة : لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزديّ الغامديّ ، أبو مخنف شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه (جامع الرواة : ج ۲ ص ۳۳ الرقم ۲۹۱) . قال في الخلاصة : من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، وقال الكشي : والصّحيح أنّ أباه كان من أصحابه وهو لم يلقه (راجع : خلاصة الأقوال : ص ۲۳۳ الرقم ۷۹۷) .

7.في شرح نهج البلاغة : «مِزْيَد» بدل «مُزْبَد» .

8.مقاتل الطّالبيين : ص ۶۱ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۶ ص ۳۱ نحوه وراجع : الإرشاد : ج ۲ ص ۹ ، كشف الغمّة : ج ۲ ص ۱۶۴ ، الفصول المهمّة : ص ۴۷ ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۴۵ ح ۵ .


مكاتيب الأئمّة ج3
26
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 60153
الصفحه من 340
طباعه  ارسل الي