135
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

عَصَبَهُ بِكُمْ ، فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلاً إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلاً .

الشّرْحُ :

الإدْهان : المصانعة والمنافقة ، قال سبحانه : « وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ »۱ . والإيهان : مصدر أوهنتُه، أي أضعفته، ويجوز وهنته ؛ بحذف الهمزة . ونَهَجه : أوضَحه وجعله نَهْجا ، أي طريقا بيّنا . وعَصَبه بكم : ناطه بكم وجعله كالعِصابة التي تشدّ بها الرأس. والفلْج : الفوز والظفر .
وقوله : « وخابط الغيّ » كأنّه جعله والغيَّ متخابطَيْن ، يخبِط أحدهما في الآخر ؛ وذلك أشدّ مبالغة من أن تقول : خَبَط في الغَيّ ؛ لأنّ من يَخْبِط ويَخْبِطَه غيره يكون أشدّ اضطرابا ممن يخبِط ولا يخبطه غَيْرُه . وقوله : « ففرّوا إلى اللّه من اللّه » ، أي اهرُبوا إلى رحمة اللّه من عذابه .

25

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام
وقد تواترت عليه الأَخبار باستيلاءِ أَصحاب معاوية على البلاد وقدم عليه عاملاه على اليمن ، وهما عبيد اللّه بن عباس وسعيد بن نَمْرَان لما غلب عليهما بُسْرُ بن أَبي أَرْطَاة فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أَصحابه عن الجهاد ، ومخالفتهم له في الرأْي ، فقال :
مَا هِيَ إِلاَّ الْكُوفَةُ ، أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا ، إِنْ لَمْ تَكُوني إِلاَّ أَنْتِ ، تَهُبُّ أَعاصِيرُك فَقبَّحَك اللّهُ !
وتمثل بقول الشاعر :

لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنيعَلَى وَضَرٍ ـ مِنْ ذَا الاْءِنَاءِ ـ قَلِيلِ

1.سورة القلم ۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
134

قال : وقد يجمعهما اللّه لأقوام ، فإنّه تعالى قد يرزقُ الرجل الصالح مالاً وبنين ، فتجتمِعُ له الدنيا والآخرة .
ثم قال : « فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه » ، وذلك لأنّه تعالى قال : « فَاتَّقُونِ »۱ ، وقال : « فَارْهَبُونِ »۲ ، وقال : « فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ »۳ ، وغير ذلك من آيات التحذير .
ثم قال : ولتكن التّقْوى منكم أقصى نهايات جهدكم ، لا ذات تقصيركم ، فإنّ العمل القاصر ، قاصر الثواب ، قاصر المنزلة .
واعلم أن مصدر هذا الكلام النهي عن الحسد ، وهو من أقبح الأخلاق المذمومة ، وقد نهى عليه السلام عنه إمّا بالصبر وانتظار الفرج من اللّه تعالى ؛ إمّا بموت مريح أو بظفر بالمطلوب . ثم نهى عنه الرياء في العمل وطلب السمعة . والرياء في العمل منهيٌ عنه بل العمل ذو الرياء ليس بعمل في الحقيقة ؛ لأنّه لم يقصد به وجه اللّه تعالى . ثم أمر عليه السلام بالاعتضاد بالعشيرة والتكثّر بالقبيلة ؛ فإن الإنسان لا يستغني عنهم وإن كان ذا مال . ثم ذكر عليه السلام أن لسان الصدق يجعله اللّه للمرء في الناس خيرٌ له من المال يورّثه غيره ، ولسان الصدق هو أن يُذكر الإنسان بالخير ويُثنى عليه به . قال اللّه سبحانه : «وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاْخِرِينَ»۴ .

24

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ ، وَخَابَطَ الْغَيَّ ، مِنْ إدْهَانٍ وَلاَ إيِهَانٍ . فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ ، وَفِرُّوا إِلَى اللّهِ مِنَ اللّهِ ، وَامْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ ، وَقُومُوا بِمَا

1.سورة البقرة ۴۱ .

2.سورة البقرة ۴۰ .

3.سورة المائدة ۴۴ .

4.الشعراء ۸۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 88051
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي