161
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

الخطب الفادح : الثقيل . ونخَلْت لكم ، أي أخلصْتُه ، من نَخَلْتُ الدقيق بالمُنخُل .
وقوله : « الحمد للّه وإن أتى الدهر » ، أي أحمده على كل حال من السَّرّاء والضراء .
وقوله : « لو كان يطاع لقصير أمر » ؛ فهو قصير صاحب جَذِيمة ، وحديثه مع جَذِيمة ومع الزّباء مشهور ؛ فضرب المثل لِكُلّ ناصح يُعصى بقصير .
وقوله : « حتى ارتاب الناصح بنصحه ، وضنّ الزند بقَدْحه » ، يشير إلى نفسه ، يقول : خالفتموني حتى ظننت أن النصح الذي نصحتكم به غيرَ نصح ؛ لإطباقكم وإجماعكم على خلافي ، وهذا حقّ ؛ لأنّ ذا الرأي الصواب إذا كثر مخالفوه يَشُكّ في نفسه ؛ وأما ضَنّ الزّند بقَدْحه ، فمعناه أنّه لم يقدح لي بعد ذلك رأي صالح ، لشدّة ما لقيت منكم من الإباء والخلاف والعصيان .
وأخو هوازن صاحب الشعر هو دُرَيْد بن الصِّمة ، والأبيات مذكورة في الحماسة .
وهذه الألفاظ من خطبة خطب بها عليه السلام بعد خديعة ابن العاص لأبي موسى وافتراقهما ، وقَبْلَ وقْعة النَّهْرَوان .
قال نصر : وكان عليّ عليه السلام لما خدع عمرو أبا موسى بالكوفة ، كان قد دَخَلَها منتظرا ما يحكُم به الحكَمان ؛ فلما تَمّ على أبي موسى ما تَمّ من الحيلة ، غَمّ ذلك عليّا وساءه ، ووَجَم له ، وخطب الناس ، فقال :
« الحمدُ للّه وإن أتَى الدَّهر بالخَطْب الفَادِح ، والحدَث الجليل ... » الخطبة التي ذكرها الرضي رحمه اللّه تعالى ؛ وهي التي نحن في شرحها ، وزاد في آخرها بعد الاستشهاد ببيت دُريد : « أَلا إنّ هذيْن الرَّجُلين اللَّذَيْن اخترتموهما قد نَبَذا حُكم الكتاب ، وأحيَيَا ما أمات ، واتَّبَع كلّ واحدٍ منهما هواه ، وحَكم بغير حُجّة ولا بيِّنة ولا سُنّة ماضية ، واختلفا فيما حكما ، فكلاهما لم يَرْشُد اللّه . فاستعدوا للجهاد ، وتأهبوا للمسير ، وأصبحوا في معسكركم يوم كذا» .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
160

فأمّا قوله : « أنت فكن ذاك » فإنه إنّما خاطب مَنْ يمكِّن عدوَّه من نفسه كائناً مَنْ كان ؛ غيرَ معيَّن ولا مخصَّص ؛ ولكن الرواية وردت بأنه خاطب بذلك الأشعث بن قيس ، فإنه رُوي أنه قال له عليه السلام ـ وهو يخطب ويلوم الناس على تثبيطهم وتقاعدهم ـ : هلاَّ فَعَلْتَ فِعْل ابن عفان ! فقال له : « إنّ فعل ابن عفان لمخزاة على مَنْ لا دين له ، ولا وثيقة معه ، إنّ امرأ أمكن عدوّه من نفسه ، يهشِمُ عظمه ، ويفرِي جلده ، لضعِيفٌ رأيه ، مَأفُونٌ عقله . أنت فكن ذاك إن أحببت ، فأمّا أنا فدُون أن أعطِيَ ذاك ضَرْبٌ بالمشرفية ... الخ » .
ويمكن أن تكون الرواية صحيحة ، والخطاب عام لكلِّ من أمكن من نفسه ، فلا منافاة بينهما .
خَطَب أميرُ المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة ، بعد فَراغِه من أمْرِ الخوارج .

35

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام بعد التحكيمالْحَمْدُ للّهِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ ، وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ . وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ . وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هـذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي ، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي «لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ» ! فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ ، وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ ، فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ :

أَمَرْتُكُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَىفَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89135
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي