231
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فَنَجَا . رَاقَبَ رَبَّهُ ، وَخَافَ ذَنْبَهُ ، قَدَّمَ خَالِصا ، وَعَمِلَ صَالِحا . اكْتَسَبَ مَذْخُورا ، وَاجْتَنَبَ مَحْذُورا ، وَرَمى غَرَضا ، وَأَحْرَزَ عِوَضا . كَابَرَ هَوَاهُ ، وَكَذَّبَ مُنَاهُ .
جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ ، وَالتَّقْوى عُدَّةَ وَفَاتِهِ . رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ ، وَلَزِمَ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ . اغْتَنَمَ الْمَهَلَ ، وَبَادَرَ الْأَجَلَ ، وَتَزَوَّدَ مِنْ الْعَمَلِ .

الشّرْحُ :

الحُكْم هاهنا : الحِكْمة ، قال سبحانه : « وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّا»۱ ، ووعى : حفظ ، وعيتُ الحديث أعيه وعياً ، وأُذنٌ واعيةٌ ، أي حافظة . ودنا : قَرُب . والْحُجزة : معقِد الإزار ؛ وأخذ فلان ؛ بحجزة فلان إذا اعتصم به ولجأ إليه . ثم حذف عليه السلام الواو في اللفظات الأُخر فلم يقل : « وراقب ربه » ، ولا « وقدّم خالصاً » ، وكذلك إلى آخر اللفظات ؛ وهذا نوع من الفصاحة كثير في استعمالهم . واكتسب ، بمعنى كسب ، يقال : كسبت الشيء واكتسبته بمعنى . والغَرَض : ما يرمَي بالسهام ، يقول : رحِم اللّه امرأ رمي غَرَضا ، أي قَصد الحَقّ كمن يرمى غرضا يَقصده ، لا من يرمى في عمياء لا يقصد شيئا بعينه . والعوض المحرَز هاهنا : هو الثواب .
وقوله : « كابر هواه » أي غالبه . وروي « كاثر » بالثاء المنقوطة بالثلاث ؛ أي غالب هواه بكثرة عقله ، يقال : كاثرناهم فكثرناهم ، أي غلبناهم بالكثرة . وقوله : « وكَذَّب مُنَاه » أي أمنيَّته . والطريقة الغرّاء : البيضاء . والمَهَل : النّظر والتُّؤَدة .

76

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلامإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيُفَوِّقُونَني تُراثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَفْوِيقا ، وَاللّهِ لَئِنْ بَقِيتُ

1.سورة مريم ۱۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
230

يقتضي عصمته عن الدّم الحرام ؛ كما أنّ هارون معصوم عن مثل ذلك . وترادف الأقوال والأفعال من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في أمره التي يضطرّ معها الحاضرون لها والمشاهدون إيّاها إلى أن مثله لا يجوز أن يسعى في إراقةِ دم أمير مسلم .
ثم قال « ألم تَزَعِ الجهال وتردعُهم سابقتي عن تهمتي » ! وهذا الكلام تأكيد للقول الأوّل . ثم قال : إن الذي وعظهم اللّه تعالى به في القرآن من تحريم الغيبة والقذف وتشبيه ذلك بأكل لحم الميت أبلغُ من وعظي لهم ، لأ نّه لا عظةَ أبلغُ من عظة القرآن .
ثم قال : « أنا حَجِيج المارقين ، وخَصِيم المرتابين » ، يعني يوم القيامة ؛ روي عنه عليه السلام أنه قال : « أنا أوّلُ من يَجْثُو للحكومة بين يدِي اللّه تعالى » ، وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلممثل ذلك مرفوعا في قوله تعالى : « هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ »۱ وأنه صلى الله عليه و آله وسلم سئل عنها ، فقال : « عليّ وحمزة وعُبيدة ، وعُتْبة وشَيْبة والوليد » ، وكان حادثتُهم أوّلَ حادثة وقعت فيها مبارزة أهل الإيمان لأهل الشرك ، وكان المقتول الأول بالمبارزة الوليد بن عُتْبة ، قتلَه علي عليه السلام ، ضربه على رأسه فبدرَتْ عيناه على وجنته ، فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم فيه وفي أصحابه ما قال ، وكان علي عليه السلام يكثر من قوله : « أنا حجيج المارقين » ، ويشير إلى هذا المعنى . ثم أشار إلى ذلك بقوله : « على كتاب اللّه تعرض الأمثال » ، يريد قوله تعالى : « هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ » .
ثم قال : « وبما في الصدور تجازى العباد » إن كنت قتلتُ عثمان أو مالأت عليه ؛ فإنّ اللّه تعالى سيجازينِي بذلك ، وإلاّ فسوف يجازِي بالعقوبة والعذاب من اتَّهمني به ، ونسبه إليّ.

75

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامرَحِمَ اللّهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْما فَوَعَى ، وَدُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا ، وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ

1.سورة الحج ۱۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89370
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي