417
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الدُّعَاءِ ، صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ . عَلَى وَجُوهِهمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعيِنَ . أُولئِكَ إِخْوَاني الذَّاهِبُونَ . فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَنَعَضَّ الْأَيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهِمْ .
إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً ، وَيُعْطِيَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ ، وَبِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ . فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ ، وَاقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا اليكم ، وَاعْقِلوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ .

الشّرْحُ :

هذه شبهة من شبهات الخوارج ، ومعناها أنك نهيت عن الحكومة أولاً ، ثم أمرت بها ثانيا ، فإن كانت قبيحة كنت بنهيك عنها مصيبا ، وبأمرك بها مخطئاً ، وإن كانت حسنة ، كنتَ بنهيك عنها مخطئاً وبأمرك بها مصيباً ، فلا بدّ من خطئك على كلّ حال .
وجوابها أنّ للإمام أن يعمل بموجب ما يغلب على ظنّه من المصلحة ، فهو عليه السلام لَمّا نهاهم عنها كان نهيهُ عنها مصلحة حينئذٍ ، ولما أمرهم بها كانت المصلحة في ظَنّه قد تغيّرت ، فأمرهم على حسب ما تبدّل وتغيّر في ظنه ، كالطبيب الذي ينهى المريض اليوم عن أمرٍ ويأمره بمثله غداً ۱ .
وقوله : « هذا جزاء من ترك العقدة » ، يعني الرأي الوثيق ، وظهرَ فيما بعد أنّ الرأي الأصلح كان الإصرار والثبات على الحرب ، وأن ذلك وإن كان مكروها ، فإن اللّه تعالى كان يجعل الخيرة فيه ، كما قال سبحانه : « فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرا كَثِيرا »۲ . ثم قال : كنت أحملكم على الحرب وترك الالتفات إلى مكيدة معاوية وعمرو ؛ مِنْ رفْع

1.أقول : إن الإمام عليه السلام رفض أولاً التحكيم ليقينه أ نّه خدعة ؛ ولأ نّه مفسدة محضة ولا يلزم من ذلك خطؤه كما زعم الخوارج ، فرضي بالتحكيم مكرهاً ومضطراً ، فعقد العهد معهم ؛ لأنّ أصحابه (الخوارج) أحجموا عن الحرب ضد معاوية ، وأصرّوا على قبول التحكيم . فلما كتبوا كتاب العهد ، ندموا ، وأبوا إلاّ الرجوع عن العهد ، فرفض الإمام عليه السلام نقض ذلك العهد ، لا أ نّه أمرهم بالحكومة ، ولم يعلن الحرب عليهم إلاّ بعد أن طغوا وبغوا . ولو أ نّه عليه السلام قاتل الخوارج في صفين لما سُمع ذلك الخارجي المتجرئ ... ولكن بمن وإلى من يرجع في حربهم ؟ وبمن يقاتلهم ؟ ولهذا قال عليه السلام : هذا جزاء من ترك العقدة .

2.سورة النساء ۱۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
416

ثم ذكر أنّ الذكْر الطيّب يخلِّفه الإنسان بين الناس خيرٌ له من مالٍ يجمعه ويورّثه من لا يحمده . وجاء في الأثر أن أمير المؤمنين عليه السلام جاءه مخبرٌ فأخبرَه أن مالاً له قد انفجرت فيه عين خرارة ، يبشّره بذلك ، فقال : بشِّر الوارث ، بشِّر الوارث ، يكررها ، ثم وقف ذلك المال على الفقراء ، وكتب به كتابا في تلك الساعة ۱ .

120

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموقد قام إليه رجل من أصحابه فقال : نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها ، فلم ندر أي الأمرين أَرشد ؟ فصفق عليه السلام إحدى يديه على الأُخرى ثمّ قال :
هذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ ! أمَا وَاللّهِ لَوْ أنّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللّهُ فِيهِ خَيْراً ، فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ ؛ لَكَانَتِ الْوُثْقَى ، وَلكِنْ بِمَنْ وَإِلَى مَنْ ؟ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائِي ، كَنَاقِش الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ ، وَهُوَ يَعَلْمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا!
اللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ ، وَكَلَّتِ النَّزَعَةُ بِأَشْطَانِ الرَّكِيِّ ! أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الإِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ ، وَقَرَؤوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ ، وَهِيجُوا إِلى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلاَدِهَا ، وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا ، وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الْأَرْض زَحْفاً زَحْفاً ، وَصَفّاً صَفّاً . بَعْضٌ هَلَكَ ، وَبَعْضٌ نَجَا .لاَ يُبَشَّرُونَ بِالْأَحْيَاءِ ، وَلاَ يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى . مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ ، خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ ، ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ

1.الكافي للكليني ۷ : ۵۴ / ح۹ ، السنن الكبرى للبيهقي ۶ : ۱۶۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86598
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي