511
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الْمَهَاوِي ، وَالضَّلاَلَ فِي الْمَغَاوِي وَلاَ يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ ، أَوْ تَحْرِيفٍ فِينُطْقٍ ، أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ .
فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ ، وَاسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ ، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ ، وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيَما جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَلاَ مَحِيصَ عَنْهُ ؛ وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذلِكَ إِلَى غَيْرِهِ ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ ؛ وَضَعْ فَخْرَكَ ، وَاحْطُطْ كِبْرَكَ ، وَاذْكُرْ قَبْرَكَ ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ ، وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً ، فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ ، وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ . فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ ! وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيَّهَا الْغَافِلُ ! « وَلاَ يُنَبِّؤكَ مِثْلُ خَبِيرٍ »۱ .

الشّرْحُ :

فاعل « كشف » هو اللّه تعالى ، وقد كان سبق ذكره في الكلام ، وإنما كشف لهم عن جزاء معصيتهم بما أراهم حال الموت من دلائل الشقوة والعذاب ؛ فقد ورد في الخبر الصحيح أ نّه : « لا يموت ميّت حتى يرى مقرّه من جنّة أو نار » . ولما انفتحت أعين أبصارهم عند مفارقة الدنيا ؛ سَمّى ذلك عليه السلام استخراجا لهم من جلابيب غفلتهم ، كأنهم كانوا من الغفلة والذهول في لباسٍ نُزِع عنهم . قال : « استقبلوا مدبرا » ، أي استقبلوا أمرا كان في ظنّهم واعتقادهم مدبرا عنهم ؛ وهو الشقاء والعذاب . « واستدبروا مقبلاً » تركوا وراء ظهورهم ما كانوا خُوِّلُوه من الأولاد والأموال والنّعم ، وفي قوة هذا الكلام أن يقول : عرفوا ما أنكروه وأنكروا ما عرفوه .
وروي : « أحذّركم ونفسي هذه المزلّة » مفعلة ، من الزّلل ، وفي قوله : « ونفسي » لطافة رشيقة ؛ وذلك لأ نّه طَيَّب قلوبهم بأن جعل نفسه شريكة لهم في هذا التحذير ، ليكونوا إلى الانقياد له أقربَ ، وعن الإباء والنُّفرة أبعد ؛ بطريق جَدَدٍ لاحب . والمهاوي : جمع مَهْواة ؛ وهي الهوّة يُتردّى فيها . والمغاوي : جمع مَغْواة ، وهي الشبهة التي يغوَى بها النّاس ، أي يضلّون .
يصف الأُمور التي يُعِين بها الإنسان أرباب الضلال على نفسه ، وهي يتعسّف في حقّ

1.سورة فاطر ۱۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
510

ولم يقنع ببيان ما لا نعلم إلاّ بالشرع ، حتى نبه في أكثره على أدلة العقل .

153

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مَنَ اللّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ ، وَيَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ ، بلاَ سَبِيلٍ قَاصِدٍ ، وَلاَ إِمَامٍ قَائِدٍ .

الشّرْحُ :

يصف إنسانا من أهل الضلال غير معيّن ؛ بل كما تقول : رحم اللّه امرأً اتّقى ربه وخاف ذنبه ، وبئس الرجل رجل قلّ حياؤه ، وعدم وفاؤه ؛ ولست تعني رجلاً بعينه . ويهوي : يسقط . والسبيل القاصد : الطريق المؤدية إلى المطلوب . والإمام : إمّا الخليفة ، وإمّا الأستاذ ، أو الدين ، أو الكتاب ؛ على كلّ من هؤلاء تطلق هذه اللفظة .

الأصْلُ :

۰.منها :حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ ، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ استَقْبَلُوا مُدْبِراً ، وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بَمَا أَدْرَكُوا منْ طَلِبَتِهِمْ ، وَلاَبِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ .
وإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَنَفْسِي ، هذِهِ الْمَنْزِلَةَ . فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤ بِنَفْسِهِ ، فَإِنَّمَا الْبَصِيرٌ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ ، وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ، ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89132
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي