573
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

أجلَب عليه : أعان عليه ؛ وأجلبه : أعانه . والألف في « يا إخوتاه » بدل من ياء الإضافة ، والهاء للسكت . وعلى حدّ شوكتهم : شدّتهم ، أي لم تنكسر سورتُهم . والعِبْدان جمع عَبْد ، بالكسر ، مثل جَحْش وجِحشان ، وجاء عُبدان بالضم ، مثل تَمْر وتُمران ، وجاء عبيد . قوله : « والتفّتْ إليهم أعرابكم » : انضمّت واختلطتْ بهم . وهم خلالكم ، أي بينَكم يسومونكم ما شاءوا : يكلّفونكم ، قال تعالى : « يَسُومُونكُم سُوءَ العذَابِ »۱ . وتؤخذ الحقوق مُسمَحة ، من أسمح ، أي ذلّ وانقاد . فاهدأوا عنّي ، أي فاسكنوا . هَدَأ الرجل هدْءا وهدوءا ، أيْ سكن ؛ وأهدأه غيره . وتضعضِع قوّة : تضْعِف وتهدّ : ضعضعتُ البناء : هددته . والمنّة : القوة . والوَهن : الضعف . وآخر الدواء الكيّ ، مثل مشهور ؛ ويقال : « آخر الطبّ » ويغلِط فيه العامة فتقول : « آخر الداء » ، والكيّ ليس من الدّاء ليكون آخره .
[ثم إنّ ابن أبي الحديد ، تحدّث مفصلاً عن الثائرين على عثمان ، وعطف عليهم المتمردين على الإمام عليه السلام ، فاعتذر عن الإمام عليه السلام بعدم التمكن من مواجهة الجميع ، فكان من الأصوب في التدبير الإمساك إلى حين سكون الفتنة ، وهدوء المطالبين] ، فقال :
فلم يقع الأمر ذلك ، وعَصَى معاوية وأهلُ الشام ، والتجأ ورثة عثمان إليه ، وفارقوا حوزة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يطلبوا القصاص طلباً شرعياً ، وإنما طلبوه مغالبة ، وجعلها معاوية عصبيَّة الجاهلية ، ولم يأتِ أحدٌ منهم الأمر من بابه ؛ وقبل ذلك ما كان من أمرِ طلحة والزبير ، ونقضِهما البيعة ، ونهبهما أموالَ المسلمين بالبصرة وقتلهما الصالحين من أهلها ؛ وجرت أُمور كلُّها تمنع الإمام عن التصدّى للقصاص ، واعتماد ما يجب اعتماده ؛ لو كان الأمر وَقَع على القاعدة الصحيحة من المطالبة بذلك على وجه السكون والحكومة ، وقد قال هو عليه السلام لمعاوية : « فأمّا طلبُك قتَلة عثمان ، فادخل في الطاعة ، وحاكم القوم إليّ ، أحملك وإياهم على كتاب اللّه وسنّة رسوله » .
فإن قلت : فما معنى قوله : « وسأمسك الأمر ما استمسك ، فإذا لم أجد بدّا فآخر الدواء الكيّ » .
قلت : ليس معناه : وسأصبر عن معاقبة هؤلاء ما أمكنَ الصبر ، فإذا لم أجد بدا عاقبتهم ،

1.سورة البقرة ۴۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
572

وقوله : « فإنما يُنتظر بأوّلكم آخرُكم » ، أي إنما ينتظر ببعث الموتى المتقدّمين أن يموت الأواخر أيضاً ، فيبعث الكلّ جميعا في وقت واحد . ثم ذكر أنّهم مسؤولون عن كلّ شيء حتى عن البقاع : لمَ استوطنتم هذه ، وزهِدتم في هذه ؟ ولمَ أخربتم هذه الدار وعمرتم هذه الدار ؟ وحتى عن البهائم : لمَ ضربتُموها ؟ لمَ أجعتموها ؟ وروي : « فإن البأس أمامكم » يعني الفتنة ، والرواية الأُولى أظهر . وقد ورد في الأخبار النبوية : «ليُنتصَفَنّ للجَمّاء من القرناء » ، وجاء في الخبر الصحيح : « إنّ اللّه تعالى عذّب إنسانا بهرّ ، حبسه في بيت وأجاعه حتى هلك » .

169

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام بعدما بويع بالخلافة
وقد قال له قوم من الصحابة : لو عاقبت قوماً ممن أجلب على عثمان ! فقال عليه السلام :
يَا إِخْوَتَاهُ ! إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ ، وَلكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّةٍ وَالْقَوْمُ الْمُجْلِبُونَ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ ، يَمْلِكُونَنَا وَلاَ نَمْلِكُهُمْ ! وهَا هُمْ هؤلاَء قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُكُمْ ، وَالْتَفَّتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ ، وَهُمْ خِلاَلَكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاؤوا ؛ وَهَلْ تَرَوْنَ مْوْضِعاً لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيْءٍ تُرِيدُونَهُ!
إِنَّ هذَا الْأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيِّةٍ ، وَإِنَّ لِهؤلاَء الْقَوْمِ مَادَّةً . إِنَّ النَّاسَ مِنْ هذَا الْأَمْرِ ـ إِذَا حُرِّكَ ـ عَلَى أُمُورٍ : فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ ، وَفِرقْةٌ تَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ ، وَفِرْقَةٌ لاَ تَرَى هذَا وَلاَ ذَاكَ ، فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ ، وَتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا ، وَتُؤخَذَ الْحُقُوقُ مُسْمَحَةً . فَاهْدَأُوا عَنَّي ، وَانْظُرُوا مَاذَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَمْرِي ، وَلاَ تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ قُوَّةً ، وَتُسْقِطُ مُنَّةً ، وَتُورِثُ وَهْناً وَذِلَّةً وَسَأُمْسِكُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ . وَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَـآخِرُ الدَّواءِ الْكَيُّ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89131
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي