633
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ . غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ . نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاَءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ . وَلَوْلاَ الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللّهُ لَهُمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ . عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا ، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا ، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ . قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ ، وَشُرُورُهُمْ مَأمُونَةٌ ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ . صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً . تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ ، يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ . أَرَادَتْهُمُ الْدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا ، وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا .
أَمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِالْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً . يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ . فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً ، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً ، وَظَنُّوا أَنَّهَا نَصْبُ أَعْيُنِهِمْ . وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ ، مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكَ رِقَابِهِمْ .
وَأَمَّا النَّهَارُ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ ، أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ . قَدْ بَرَاهُمْ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهمُ الْنَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى ، وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَض ؛ وَيَقُولُ : لَقَدْ خُولِطُوا ! وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ ! لاَ يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ ، وَلاَ يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ . فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ ، إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ ، فَيَقُولُ : أنـَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي ، وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسي!
اللَّهُمَّ لاَ تُؤاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ ، وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ ، وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ!


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
632

وقَبَحك اللّه ؛ لفظة معناها كَسَرك ، يقال : قَبحْتُ الجوْزة ، أي كسرتها ، وقيل : قَبَحه : نحّاه عن الخير . وكان البرجُ ساقطَ الثنيّة ، فأهانه بأن دعاه به ، كما يُهان الأعور بأن يقال له : يا أعور . والضئيل : الدقيق الخفيّ ، ضَؤل الرجل ، بالضمّ ضآلة : نَحُفَ ، وضَؤُل رأيه : صَغُر ، ورجل متضائل ، أي شَخْت ، وكذلك : « ضُؤَلَة » . ونَعر الباطل : صاح ، والمراد أهلُ الباطل ، ونَعَر فلان في الفتنة : نهض فيها . ونجَم : طلع ، أي طلع بلا شرف ولا شجاعةٍ ولا قدم ، بل على غفلة ، كما ينبت قرن الماعز . وهذا من باب البديع ؛ وهو أنْ يشبّه الأمر يراد إهانته بالمهين ، ويشبّه الأمر يراد إعظامه بالعظيم ، ولو كان قد تكلّم في شأن ناجمٍ يريد تعظيمه ، لقال : نجم نجوم الكوكب من تحت الغَمام ، نجومَ نَوْر الربيع من الأكمام ، ونحو ذلك .

186

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام [ يصف فيها المتّقين ] روي أن صاحباً لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام كان رجلاً عابداً ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم . فتثاقل عليه السلام عن جوابه ثم قال : يا همام ، اتق اللّهِ وأحسن : فـ« انَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اْتَّقَوا وَالّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ »۱.
فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه ، فحمد اللّهَ وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله وسلم .
ثم قال عليه السلام :
ومن خطبة له عليه السلام [ يصف فيها المتّقين ] روي أن صاحباً لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام كان رجلاً عابداً ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم . فتثاقل عليه السلام عن جوابه ثم قال : يا همام ، اتق اللّهِ وأحسن : فـ « انَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اْتَّقَوا وَالّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ »۲ .
فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه ، فحمد اللّهَ وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله وسلم .
ثم قال عليه السلام :
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعالَى ، خَلَقَ الْخَلْقَ - حَيْثُ خَلَقَهُمْ - غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ ، وَلاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ . فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ ، وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ .
فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ : مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ ، وَمَلْبَسُهُمُ الاِْقْتِصَادُ ،

1.سورة النحل ۱۲۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89124
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي