677
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

إلَى يَوْمِ الدِّينِ » 1 . وقال : « مَلْعُونِينَ أيْنَمَا ثُقِفُوا » 2 . وفي الكتاب العزيز من ذلك الكثير الواسع .
وممّا يدلّ على أنّ مَنْ عليه اسم الإسلام إذا ارتكب الكبيرة يجوز لعنُه ، بل يجب في وقت ، قول اللّه تعالى في قصّة اللعان : « فَشَهَادةُ أحَدِهِم أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ باللّهِ إنَّه لَمِنَ الصَّادِقِين * والخَامِسَةُ أنَّ لَعْنَة اللّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبينَ » 3 . وقال تعالى في القاذف : « إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ » 4 . فهاتان الآيتان في المكلّفين من أهل القبلة ، والآيات قبلهما في الكافرين والمنافقين ؛ ولهذا قنَت أمير المؤمنين عليه السلام على معاوية وجماعة من أصحابه ، ولعنهم في أدبار الصلوات .
فإن قلت : فما صُورة السبّ الذي نَهَى أمير المؤمنين عليه السلام عنه؟
قلت : كانوا يشتمُونهم بالآباء والأُمهات ، ومنهم مَنْ يطعن في نسب قوم منهم ، ومنهم مَنْ يذكرهم باللؤم ، ومنهم مَنْ يعيّرهم بالجبن والبخل وبأنواع الأهاجي التي يتهاجَى بها الشعراء ، وأساليبها معلومة ، فنهاهم عليه السلام عن ذلك ، وقال : إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين ؛ ولكن الأصوب أن تصِفُوا لهم أعمالهم ، وتذكروا حالهم ، أي أن تقولوا إنّهم فسّاق ؛ وإنهم أهل ضلال وباطل .
ثم قال : اجعلوا عوض سبّهم أن تقولوا : اللّهمّ احقنْ دماءَنا ودماءهم ! حقنتُ الدم أحقُنه ، بالضمّ : منعت أن يُسْفَك ، أي ألهِمهم الإنابة إلى الحقّ والعدول عن الباطل ؛ فإنّ ذلك إذا تمّ حقنت دماء الفريقين . قوله : « وأصلح ذات بيننا وبينهم ، يعني أحوالنا وأحوالهم . ولمّا كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها : « ذات البين » ؛ كما أنه لو كانت الضمائر ملابسة للصدور قيل : « ذات الصدور » . وارعوى عن الغيّ : رجع وكفّ . لهِج به ، بالكسر ، يلهَج : أغرى به وثابر عليه .

1.سورة ص ۷۸ .

2.سورة الأحزاب ۶۱ .

3.سورة النور ۶ ، ۷ .

4.سورة النور ۲۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
676

199

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام
أيام حربهم بصفين
إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ ، وَلكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ ، وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ :
اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنَهُمْ ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ .

الشّرْحُ :

السبّ : الشتم ، سبّه يسُبُّه بالضمّ ، والتسابّ : التشاتم ، ورجلٌ مِسَبّ بكسر الميم : كثير السِّباب ، ورجلٌ سُبَّة ، أي يسبُّه الناس ، ورجل سُبَبة ، أي يسبّ الناس ، ورجل سَبّ : كثير السباب ، وسِبُّك : الذي يسابّك .
والذي كرهه عليه السلام منهم ، أنهم كانوا يشتُمون أهلَ الشام ، ولم يكن يكره منهم لعنهم إياهم ، والبذاءة منهم ، لا كما يتوهّمه قومٌ من الحشويّة ، فيقولون : لا يجوز لعن أحدٍ ممّن عليه اسم الإسلام ، وينكرون عَلَى مَنْ يلعن ، ومنهم مَنْ يغالي في ذلك ، فيقول : لا ألعن الكافر ، ولا ألعن إبليس ، وإن اللّه تعالى لا يقول لأحدٍ يوم القيامة : لم لم تلعن ؟ وإنما يقول : لمَ لَعنْت؟
واعلم أنّ هذا خلاف نصّ الكتاب ؛ لأ نّه تعالى قال : « إنّ اللّهَ لَعَن الْكافِرينَ واعدّ لهُمْ سَعِيراً » 1 . وقال : « أولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُون » 2 . وقال في إبليس : « وَإنّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي

1.سورة الأحزاب ۶۴ .

2.سورة البقرة ۱۵۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89127
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي