13
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وقد روى كثير من المحدّثين أنّه عقيب يوم السّقيفة تألّم وتظلّم ، واستنجد واستصرخ ، حيث ساموه الحضور والبيْعة ، وأنّه قال وهو يشير إلى القبر : «ابْنَ أُمَّ إنَّ القَوْمَ استَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي»۱ ، وأنّه قال : واجعفراه ! ولا جعفر لي اليوم ! واحمزتاه ولا حمزة لي اليوم!

212

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه عليه السلامفَقَدِمُوا عَلَى عُمَّالِي وَخُزَّانِ بَيْتِ مال الْمُسْلِمِينَ الَّذِي فِي يَدَيَّ ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرٍ ، كُلُّهُمْ فِي طَاعَتِي وَعَلَى بَيْعَتِي ؛ فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ ، وَأَفْسَدُوا عَلَيَّ جَمَاعَتَهُمْ ، وَوَثَبُوا عَلَى شِيعَتِي ، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ غَدْراً ؛ وَطَائِفَةً عَضُّوا عَلَى أَسْيَافِهِمْ ، فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اللّهَ صَادِقِينَ.

الشّرْحُ:

عضُّوا على أسيافهم ، كناية عن الصَّبْر في الحرب وترك الاستسلام ، وهي كناية فصيحة ، شبّه قبضَهم على السيوف بالعضّ ، وقد قدمنا ذكر ما جرى ، وأنّ عسكر الجمل قتلوا طائفة من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة بعد أن أمّنوهم غدرا ، وأنّ بعض الشيعة صبر في الحرب ولم يستسلم ، وقاتل حتى قتل ، مثل حكيم بن جبلة العبديّ وغيره ، وروي : «وطائفةٌ عضّوا على أسيافهم» بالرفع ، تقديره : ومنهم طائفة .

1.سورة الأعراف ۱۵۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
12

قالَ الرَّضيّ رحمه الله :
وَقَدْ مَضَى هذا الكلامُ في أثْناءِ خُطْبَةٍ متقدمة ، إلاّ أنِّي ذَكَرْتُهُ ها هنا لاختِلافِ الرّوايَتَينْ ۱ .

الشّرْحُ:

العدوى : طلبك إلى والٍ ليُعدِيك على مَنْ ظلمك ، أي ينتقم لك منه ، يقال : استعديتُ الأميرَ على فلان فأعداني ، أي استعنت به عليه فأعانني . وقطعوا رحمي : وقطعوا قرابتي ، أي أجروْني مجرى الأجانب . ويجوز أن يُريد أنّهم عدّوني كالأجنبيّ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . ويجوز أن يريد أنّهم جعلوني كالأجنبيّ منهم ؛ لا ينصرونه ، ولا يقومون بأمره . وأكفؤوا إنائي : قلبوه وكبّوه ، وحذْف الهمزة من أوّل الكلمة أفصح وأكثر ، وقد روي كذلك ، ويقال لمن قد أُضيعت حقوقه : قد [أُكفئ إناؤهُ] ۲ تشبيها بإضاعة اللبن من الإناء .
وقد اختلفت الرواية في قوله : «ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه» ، فرواها قوم بالنون ، وقوم بالتاء . وقال الراوندي : إنها في خطّ الرضيّ بالتاء . ومعنى ذلك أنك إن وليت أنت كانت ولايتُك حقّا ، وإن وُلِّي غيرُك كانت ولايته حقاً ، على مذهب أهل الاجتهاد ۳ . ومن رواها بالنون ، فالمعنى ظاهر .
والرافد : المعين . والذابّ الناصر . وضننت بهم : بخلت بهم . وأغضيت على كذا : صَبَرت . وجرِعت بالكسر . والشّجا : ما يعترض في الحلْق . والوخز : الطعن الخفيف ، وروي «من حزّ الشفار» والحزّ : القطع . والشِّفار : جمع شفْرة ، وهي حدّ السيف والسكّين .
واعلم أنّ هذا الكلام قد نُقل عن أمير المؤمنين عليه السلام ما يناسبه ، ويجري مجراه ، ولم يؤرّخ الوقت الذي قاله فيه ، ولا الحال التي عَناها به ، وأصحابنا يحملون ذلك على أنّه عليه السلام قاله عَقِيب الشّورى وبيعة عثمان ، فإنه ليس يرتاب أحدٌ من أصحابنا عَلَى أنّه تظلّم وتألّم حينئذٍ . ويكره أكثر أصحابنا حمل أمثال هذا الكلام على التألم من يوم السقيفة .

1.مرّ ذلك في الخطبة (۱۷۳) .

2.في الأصل : أكفأ إناءَهُ .

3.وأمّا على مذهب الإمامية ، فيكون المعنى : إن وليتَ أنت كانت ولايتك حقاً ، وإن ولي غيرك ، فعليك الاستسلام والخضوع ومجاراة الظروف . وهو يتضمن اعترافهم بحقه ، ولكنهم طلبوا منه الاستسلام مجاراة للظروف .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 115907
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي