201
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أي أنا قادر على أن أذكر مِن هذا شيئا كثيرا ، ولكنّي أكتفي بما ذكرت .
فإن قلت : فبماذا يتعلّق «في» في قوله : «في كثير»؟
قلتُ : بمحذوف تقديرُه : هذا الكلام داخلٌ في جملة كلامٍ كثيرٍ يتضمّن ما لَنا وعليكم .
قولُه عليه السلام : «فإسْلامُنا ما قد سُمِع ، وجاهليّتنا لا تُدفَع» ، كلامٌ قد تعلّق به بعضُ من يتعصّب للأمويّة . وقال : لو كانت جاهليّة بني هاشم في الشّرف كإسلامهم لعدّ من جاهليّتهم حَسب ما عدّ من فضيلتهم في الإسلام .
هذه الرسالة الكريمة هي جواب لرسالة كان قد بعثها معاوية مع أبي مسلم الخولاني ، ثم إن ابن أبي الحديد أورد رسالة معاوية من إملاء النقيب أبي جعفر يحيى بن زيد ، بعثها معاوية مع أبي أُمامة الباهلي ، حذفناها للاختصار .
قال النّقيب أبو جعفر : فلما وصل هذا الكتابُ إلى عليّ عليه السلام مع أبي اُمامة الباهلي ، كلَّم أبا أُمامة بنحوٍ ممَّا كلَّم به أبا مُسلم الخَولاني ، وكتب معه هذا الجواب .
قال النقيب : وفي كتابِ معاويةَ هذا ذكرُ لفظ الجمل المخشوش أو الفَحل المخشوش ، لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم ، وليس في ذلك هذه اللّفظة ، وإنّما فيه : «حسدتَ الخلفاءوبَغيتَ عليهم ، عرفنا ذلك من نظرك الشَّزر ، وقولك الهُجر وتنفُّسك الصُّعداء ، وإبطائك عن الخلفاء » .
قال : وإنما كثيرٌ من الناس لا يعرفون الكتابين ؛ والمشهور عندهم كتابُ أبي مسلم فيجعلون هذه اللّفظة فيه ، والصحيح أنّها في كتاب أبي أُمامة .
قال ابن أبي الحديد : ثم انّ النقيب أمرني أنْ اكتب ما عليه علي عليه السلام فكتبته ، قال رحمه الله :
كان معاوية يتسقّط عليّاً ويَنعَى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر ، وأنهما غَصَباه حقَّه ، ولا يزال يكيدُه بالكتاب يكتبه ، والرّسالة يبعثُها يطلب غرّته ؛ لينفُث بما في صدره من حال أبي بكر وعمر ، إمّا مكاتبةً أو مراسلة ، فيجعل ذلك حجّةً عليه عند أهل الشام ، ويضيفه إلى ما قرّره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم ، فقد كان غمصه عندهم بأنَّه قتل عثمانَ ومالأَ على قتله ، وأنه قتل طلحةَ والزّبير ، وأسَرَ عائشة ، وأراق دماء أهلِ البصرة . وبقيت خصلةٌ واحدة ، وهو أن يثبت عندهم أنه يتبرّأ من أبي بكر وعمر ، وينسبهما إلى الظُّلم ومخالفة الرّسول في أمر الخلافة ، وأنهما وثبا عليها غلبةً ، وغصباه إيّاها ؛ فكانت هذه الطامّة الكبرى ليست مقتصرةً على فساد أهل الشام عليه ، بل وأهلِ العراق الَّذين هم جُندُه


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
200

قال عليه السلام : «فإنا صنائع ربِّنا ، والناسُ بعدُ صَنائعُ لنا» ، هذا كلام عظيم ، عالٍ على الكلام ، ومعناه عالٍ على المعاني ، وصَنيعةُ الملِك من يصطنِعُه الملك ويرفع قدرَه . يقول : ليس لأحد من البشر علينا نعمة ، بل اللّهُ تعالى هو الذي أنعم علينا ، فليس بيننا وبينه واسطة ، والناس بأسرهم صنائعنا ؛ فنحن الواسطةُ بينهم وبين اللّه تعالى ، وهذا مقامٌ جليل ظاهره ما سمعت ، وباطنه أنهم عبيدُ اللّه ، وأنَّ الناس عبيدهم .
ثم قال : «لم يمنعْنا قديم عزِّنا ، وعاديّ طوْلنا» ؛ الطوْل : الفَضْل . وعادِيّ أي قديم ، بئرٌ عاديّة . على قومِك أن خلَطْناكم بأنفسِنا فَنَكَحنا وأنكَحْنا فِعل الأكْفاء ، ولستم هناك ؛ يقول : تزوَّجْنا فيكم وتزوّجتم فينا كما يَفعَل الأكفاء ، ولستم أكفاءنا . ثم قال عليه السلام : «وأنَّى يكون ذلك !» ، أي كيف يكون شرفُكم كشَرَفنا ، ومنّا النبيّ ومنكم المكذِّب ـ يعنى أبا سُفيانَ بنَ حرب ، كان عدوَّ رسول اللّه والمكذِّبَ له والُمجلبَ عليه ـ وهؤلاء ثلاثة : بإزاء أبي سُفْيان رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ومعاويةُ بإزاء عليّ عليه السلام ، ويزيدُ بإزاء الحسين عليه السلام ؛ بينهم من العداوة ما لا تبرك عليه الإبل .
قال : «ومنّا أسَدُ اللّه » ، يعني حمزة ، «ومنكم أسَدُ الأحلاف» ، يعني عُتْبة بن ربيعة ، وقد تقدّم شرحُ ذلك في قصّة بدر . «ومنّا سيّدَا شَبابِ أهل الجنّة » ، يعني حَسَناً وحُسَيْناً عليهماالسلام ، «ومنكم صبية النار» ، هي الكلمة الّتي قالها النبي صلى الله عليه و آله وسلملعُقْبة بن أبي مُعَيْط حين قَتَله صَبْراً يوم بَدْر ، وقد قال كالمستعطِف له عليه السلام : مَن للصبية يا محمّد ؟ قال : النار . وعُقْبة بن أبي مُعَيْط من بني عبد شمْس . قوله عليه السلام : «ومنّا خير نساء العالمين» ، يعني فاطمةَ عليهاالسلام ، نصّ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم على ذلك ؛ لا خلاف فيه ، «ومنكم حمّالة الحطب» ، هي أم جميل بنت حَرْب بن أُميّة ، امرأةُ أبي لهب الذي ورد نصُّ القرآن فيها بما وَرَد . قوله : «في كثير مما لنا وعليكم» ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113135
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي