589
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

«أنت يعسوب المؤمنين» ، والكلّ راجع إلى معنىً واحد ، كأنه جعله رئيس المؤمنين وسيِّدَهم ، أو جعل الدِّين يتبعه ، ويقفُو أثرَه ؛ حيث سلك كما يتبع النحلُ اليعسوبَ .
وهذا نحو قوله : «وأدِرِ الحقَّ معه كيف دارَ» .

323

الأصْلُ:

۰.وقالَ لبعض اليهود حينَ قالَ لهُ : ما دَفَنتُمْ نبيَّكُمْ حتى اختلفتُمْ فيه ! فقال له :
إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِيهِ ، وَلكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ : «اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»۱ .

الشّرْحُ:

ما أحسن قوله : «اختلفنا عنه لا فيه» ، وذلك لأنّ الاختلاف لم يكن في التوحيد والنبوّة ؛ بل في فرُوع خارجة عن ذلك ، نحو الإمامة والميراث ، والخلاف في الزكاة هل هي واجبة أم لا ؛ واليهود لم يختلفوا كذلك ، بل في التوحيد الذي هو الأصل .
قال المفسرون : مرُّوا على قوم يعبدون أصناما لهم على هيئة البقَر ؛ فسألوا موسى أن يجعلَ لهم إلها كواحد منها ، بعد مشاهدتهم الآيات والأعلام ، وخلاصِهم من رقّ العبوديّة ، وعبورهم البحر ، ومشاهدةِ غَرَق فرعون ؛ وهذه غاية الجهل .
وقد رُوي حديث اليهوديّ على وجه آخر ؛ قيل : قال يهوديٌّ لعليّ عليه السلام : اختلفتم بعد نبيِّكم ولم يجفَّ ماؤه ـ يعني غسله صلى الله عليه و آله وسلم ـ فقال عليه السلام : وأنتم قلتم : اجعلْ لنا إلها كما لهم آلهة ولما يجفّ ماؤكم .

1.سورة الأعراف : ۱۳۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
588

أَلِقْ دَوَاتَكَ ، وَأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ ، وَفَرِّجْ بَيْنَ السُّطُورِ ، وَقَرْمِطْ بَيْنَ الْحُرُوفِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ الْخَطِّ .

الشّرْحُ:

لاقَ الحِبرُ بالكاغَد يليق ، أي التصق ، ولِقْتُه أنا يتعدّى ولا يتعدّى ، وهذه دواة مليقة : أي قد أُصلح مدادُها ، وجاء ألق الدّواة إلاقةً فهي مُلِيقة ، وهي لغة قليلة وعليها وردتْ كلمة أميرِ المؤمنين عليه السلام . ويقال للمرأة إذا لم تحظ عند زوجها : ما عاقَتْ عند زوجها ولا لاقَتْ ، أي ما التصقت بقلبه .
وتقول : هي جِلْفة القلم بالكسر ، وأصل الجَلف القَشْر ، جلفتُ الطّين من رأس الدنّ ، والجِلْفة هيئة فتحَة القلم التي يستمدّ بها المداد ، كما تقول : هو حَسن الرِّكْبة والجِلسة ونحو ذلك من الهيئات . وتقول : قد قرمط فلان خطوَه إذا مشى مشيا فيه ضِيق وتقَارُب ؛ وكذلك القول في تضييق الحروف . فأما التفريج بين السطور فيُكسِب الخطَّ بهاءً ووضوحا .

322

الأصْلُ:

۰.أَنا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ .
وقالَ : معنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني ، والفجار يتبعون المال ؛ كما تتبع النحل يعسوبها ، وهو رئيسها .

الشّرْحُ:

هذه كلمةٌ قالها رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بلفظين مختلفين ۱ ، تارةً : «أنت يعسوب الدِّين » وتارة :

1.الاستيعاب لابن عبد ربه ۲:۶۵۷ ط ۱ حيدر آباد ۱۳۳۶ . أسد الغابة لابن الأثير ۵:۲۸۷ ط ۱ مصر ۱۲۸۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 114884
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي