۶.محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن رِبْعيّ بن عبداللّه ، عمَّن حَدَّثَه، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال:«من طَلَبَ العلمَ ليُباهِيَ به العلماءَ، أو يُمارِيَ به السفهاءَ ، أو يَصْرِفَ به وجوهَ الناس إليه ، فَلْيَتَبَّوأ مَقعدَه من النار ،
قوله عليه السلام في حديث رِبْعِيّ: (مَن طَلَبَ العلمَ لِيُباهِيَ به العلماءَ،أو يُمارِيَ به السفهاءَ، أو يَصْرِفَ به وجوهَ الناسِ إليه ، فَلْيَتَبَوَّأ مقعَدَه من النارِ ، إنّ الرئاسةَ لا تَصْلُحُ إلاّ لأهلها) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ : مَن كانَتْ غاية طلبه للعلم مباهاةَ العلماء بالتفوّق عليهم وإظهار أنّه أعلم منهم ومجادلتهم لأجل ذلك ونحوه .
ومماراة السفهاء بمعنى جدالهم ومنازعتهم وإلقاء الشكوك عليهم ونحو ذلك ممّا يريد التميّز به على مثله .
وصرف وجوه الناس بمعنى أن يكون طلبه العلم ليكون الناس له أتباعاً ومريدين ومعتقدين ، فلو كان قصده الهدايةَ والإرشاد ، لم يكن من هذا القبيل ، وصرف الوجوه كناية عن كونهم مقبلين عليه ومايلين إليه ، كما أنّ الإقبال يكون بالوجه .
ويحتمل أن يكون المراد به إقبال من يتبعهم الناس وصرفهم نحوه ، فإذا رآهم مَن دونهم ، تبعه لمتابعة الوجوه إيّاه ، يقال : فلان وجه قومه ، إذا كان كبيرهم ورئيسهم ، كما أنّ أشرف أعضاء الإنسان الوجه .
وقوله عليه السلام : «فليتبوّأ مقعده من النار» . قال ابن الأثير : قد تكرّرت هذه اللفظة في الحديث ، والمعنى : لينزل منزله من النار ، يقال : بوّأه اللّه منزلاً ، أي أسكنه إيّاه ، وتبوّأ منزلاً ، أي اتّخذه ؛ انتهى ۱ .
وهذا نحو ما تقدّم يقتضي زيادة عذاب هذا العالم عن غيره ممّن ليس بعالم .
وحاصل معناه : أنّه قد اتّخذ النار منزلاً ومستقرّاً ينزل به ويستقرّ ، كمن كان على ثقة ويقين واطمينان بمنزل اتّخذه وهَيَّأه ليكون به ويستقرّ عن الحركة في السعي والمشقّة ، وهذا يستقرّ عن الحركة والسعي في غير الشقاء والعذاب ؛ نعوذ باللّه من ذلك ونسأله التوفيق لما يحبّه ويرضاه .
وكثيراً ما يدخل الشيطان في هذا الباب على العلماء نحو ما تقدّم من اتّباع الظالم من كونهم يدفعون ضرراً أو يغيثون ملهوفاً ، وهذا قد يكون المقصود بالذات منه صرفَ الوجوه ، وتتّخذ هداية الناس سُلّماً يعرج به إلى ذلك ، ومن كان قصده الهداية فهنيئاً له إن كان من أهلها ، لكن مثله لا يصدق عليه طلب العلم لصرف وجوه الناس إليه من هذه الحيثيّة ، بل قصده طلبه للهداية بالذات وإن قصد صرف الوجوه لأجلها ، وإذا لم يقصد لا ينافيه صرفهم وجوههم ، والمحذور قصد صرف الوجوه على الوجه المذكور ؛ واللّه أعلم .