321
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.إنَّ الرئاسةَ لاتَصْلَحُ إلاّ لأهلها» .

وقوله عليه السلام : «إنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها» يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد بالرئاسة التفوّق على الناس وكونه رئيساً لهم من غير أن يكونوا مأمورين باتّباعه ولا مأموراً بالترأّس عليهم . وهذه الرئاسة إنّما تصلح بمعنى تليق وتناسب ، كما تقول : السفه إنّما يصلح للجاهل لا للعالم ، وذلك بحسب اعتبار الدنيا وأوضاعها لا الصلاح الحقيقي إلاّ لأهلها ، وهم غير العلماء من الجُهّال المتمرّدين ، فإنّ العالم لا يليق به أن يقصد إلى مثل هذه الرئاسة ، بل يجب عليه العمل بعلمه ، ومن جملته ترك حبّ الرئاسة . وهذا الوجه بصرف وجوه الناس له تمام الربط ، وبمباهاة العلماء ومماراة السفهاء له ربط في الجملة .
الثاني : أن يكون المراد بالرئاسة الرئاسة من اللّه تعالى ۱ ، وهي رئاسة من جعله اللّه رئيساً واجب الاتّباع والطاعة ، فإنّ هذا الرئيس ـ مع حرصه على صرف وجوه الناس إليه ليبعثهم على طاعة اللّه ويهديهم السبيل ـ معصومٌ من حبّ الرئاسة الباطلة ، وغيرهم عليهم السلام ممّن تابعهم وسلك طريقهم وكان أهلاً للهداية إذا قصد الهداية خالياً من حبّ الرئاسة كانَ داخلاً بالتبعيّة لهم عليهم السلام . وهذا أمر عزيز الوجود إلاّ فيمن هداه اللّه ، ومع هذا يكون القصد منه بالذات إلى الهداية ، ولو قصد معها صرف الوجوه لأجلها فكما تقدّم ، وإلاّ فالغالب أن يقود صاحبه إلى حبّ الرئاسة الباطلة .
وهذا الوجه يتعلّق بالأخير فقط ، إلاّ أن يكون المراد منه أنّ العالم لا ينبغي له أن يفعل ما يقصد به التفوّق بأحد الاُمور المذكورة ، فإنّ ذلك طلب للرئاسة ، والرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها ، فلا ينبغي أن يترأّس العالم بما ذكر ونحوه .

1.في حاشية «ألف ، د» : «في كتاب تحف العقول لابن شعبة [ ص ۴۴ ] في هذا الحديث : فإنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ للّه ولأهلها . فهو مؤيّد للوجه الثاني (منه) » .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
320

۶.محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن رِبْعيّ بن عبداللّه ، عمَّن حَدَّثَه، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال:«من طَلَبَ العلمَ ليُباهِيَ به العلماءَ، أو يُمارِيَ به السفهاءَ ، أو يَصْرِفَ به وجوهَ الناس إليه ، فَلْيَتَبَّوأ مَقعدَه من النار ،

قوله عليه السلام في حديث رِبْعِيّ: (مَن طَلَبَ العلمَ لِيُباهِيَ به العلماءَ،أو يُمارِيَ به السفهاءَ، أو يَصْرِفَ به وجوهَ الناسِ إليه ، فَلْيَتَبَوَّأ مقعَدَه من النارِ ، إنّ الرئاسةَ لا تَصْلُحُ إلاّ لأهلها) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ : مَن كانَتْ غاية طلبه للعلم مباهاةَ العلماء بالتفوّق عليهم وإظهار أنّه أعلم منهم ومجادلتهم لأجل ذلك ونحوه .
ومماراة السفهاء بمعنى جدالهم ومنازعتهم وإلقاء الشكوك عليهم ونحو ذلك ممّا يريد التميّز به على مثله .
وصرف وجوه الناس بمعنى أن يكون طلبه العلم ليكون الناس له أتباعاً ومريدين ومعتقدين ، فلو كان قصده الهدايةَ والإرشاد ، لم يكن من هذا القبيل ، وصرف الوجوه كناية عن كونهم مقبلين عليه ومايلين إليه ، كما أنّ الإقبال يكون بالوجه .
ويحتمل أن يكون المراد به إقبال من يتبعهم الناس وصرفهم نحوه ، فإذا رآهم مَن دونهم ، تبعه لمتابعة الوجوه إيّاه ، يقال : فلان وجه قومه ، إذا كان كبيرهم ورئيسهم ، كما أنّ أشرف أعضاء الإنسان الوجه .
وقوله عليه السلام : «فليتبوّأ مقعده من النار» . قال ابن الأثير : قد تكرّرت هذه اللفظة في الحديث ، والمعنى : لينزل منزله من النار ، يقال : بوّأه اللّه منزلاً ، أي أسكنه إيّاه ، وتبوّأ منزلاً ، أي اتّخذه ؛ انتهى ۱ .
وهذا نحو ما تقدّم يقتضي زيادة عذاب هذا العالم عن غيره ممّن ليس بعالم .
وحاصل معناه : أنّه قد اتّخذ النار منزلاً ومستقرّاً ينزل به ويستقرّ ، كمن كان على ثقة ويقين واطمينان بمنزل اتّخذه وهَيَّأه ليكون به ويستقرّ عن الحركة في السعي والمشقّة ، وهذا يستقرّ عن الحركة والسعي في غير الشقاء والعذاب ؛ نعوذ باللّه من ذلك ونسأله التوفيق لما يحبّه ويرضاه .
وكثيراً ما يدخل الشيطان في هذا الباب على العلماء نحو ما تقدّم من اتّباع الظالم من كونهم يدفعون ضرراً أو يغيثون ملهوفاً ، وهذا قد يكون المقصود بالذات منه صرفَ الوجوه ، وتتّخذ هداية الناس سُلّماً يعرج به إلى ذلك ، ومن كان قصده الهداية فهنيئاً له إن كان من أهلها ، لكن مثله لا يصدق عليه طلب العلم لصرف وجوه الناس إليه من هذه الحيثيّة ، بل قصده طلبه للهداية بالذات وإن قصد صرف الوجوه لأجلها ، وإذا لم يقصد لا ينافيه صرفهم وجوههم ، والمحذور قصد صرف الوجوه على الوجه المذكور ؛ واللّه أعلم .

1.النهاية ، ج ۱ ، ص ۱۵۷ ( بوأ) .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 84647
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي