363
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.مكتوما منذُ بعث اللّه نوحا عليه السلام ، فليذهب الحَسَنُ يمينا و شمالاً ، فواللّه ما يوجد العلمُ إلاّ هاهنا» .

وقوله عليه السلام : «فليذهب الحسن يميناً وشمالاً» . الأمر فيه يحتمل الإهانة والإدلال أو الاحتقار ، كما قيل في قوله تعالى : « ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ »۱ وفي قوله تعالى : «قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً »۲ على أحد الوجهين ، والآخر فيه التسخير .
ويحتمل التخويف ، نحو « اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ »۳ .
ويحتمل بعيداً الإنذار ، كما قيل ۴ في قوله تعالى : « قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً »۵ . وهو عبارة عن كونه في علمه كمن لا يهتدي إلى الطريق المستقيم ، ويكون سلوكه إلى جهة اليمين والشمال مع عماه أو ضلاله عن السلوك في جادّة الطريق وحقيقته ، فهو ضالّ في علمه كما يضلّ هذا السالك .
وقوله عليه السلام : «فواللّه ما يوجد العلم إلاّ هاهنا» لفائدة أنّ العلوم التي لم تؤخذ منهم عليهم السلام ليست بعلوم ، وللتنبيه على أنّ مَن كان في مثل حال الحسن البصري ممّن يذهب يميناً وشمالاً .
والإشارة بـ «هاهنا» إمّا إليه عليه السلام أو إلى صدره حيث إنّه صاحب الوقت ، فالعلوم موجودة فيه فقط ، بمعنى أنّه وعاؤها وحاملها ومرجع لمن يأخذ العلم ، ولا ينافيه وجود بعضها فيمن أخذ منهم باعتبار أنّه ذلك الوقت أصل العلم ومعدنه .
والأخذ مستعمل لبعض ما عنده من العلم ، وإمّا بمعنى إلاّ عندنا أهل البيت الذين هم معدن العلم .
ويحتمل أن يراد بالإشارة ما يتناول من أخذ عنهم العلم من شيعتهم باعتبار الأخذ ، لا الأصالة ؛ ومن خرج عن ذلك كان علمه جهلاً ، وهداه ضلالاً ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .

1.الدخان (۴۴) : ۴۹ .

2.الإسراء (۱۷) : ۵۰ .

3.فصلت (۴۱) : ۴۰ .

4.انظر : التبيان ، ج ۹ ، ص ۱۳ ؛ معاني القرآن ، ج ۶ ، ص ۱۵۶ ؛ زاد المسير ، لابن الجوزي ، ج ۷ ، ص ۷ .

5.الزمر (۳۹) : ۸ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
362

۱۵.الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان بن عثمان ، عن عبداللّه بن سليمان ، قال :سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول وعنده رجلٌ من أهل البصرة يقال له : «عثمان الأعمى» وهو يقول : إنَّ الحسنَ البصريّ يَزعُمُ أنَّ الذين يكتمونَ العلمَ يُؤذي ريحُ بطونهم أهلَ النار ، فقال أبو جعفر عليه السلام : «فهَلَكَ إذَنْ مؤمنُ آل فرعونَ ، ما زال العلمُ

قوله عليه السلام في حديث عبداللّه بن سليمان بعد قول عثمان الأعمى له : إنّ الحَسَنَ البصريَّ يَزعُمُ أنّ الذين يَكتمونَ العلمَ يُؤذي ريحُ بطونهم أهلَ النار : (فَهَلَكَ إذَنْ مؤمنُ آلِ فرعونَ ، ما زالَ العلمُ مَكتوماً مُنذُ بَعَثَ اللّه ُ نوحاً ، فَليَذهَبِ الحَسَنُ يَميناً وشِمالاً ، فواللّه ِ ما يوجَدُ العلمُ إلاّ هاهنا) .
لمّا كان كلام الحسن البصري مشتملاً على قصور وجهل وعناد من جهات ، تكلّم عليه السلام بما تكلّم :
أحداها : إتيانه بما يدلّ على العموم في حقّ من يكتم العلم بأنّ هذا شأنه ، وكان ينبغي تخصيصه إن كان لكلامه أصل أخذه منه بمن لا يكون له مانع من إظهار العلم من تقيّة ونحوها ، كأن يكون مأموراً بذلك من قِبَلِ اللّه عزّ وجلّ .
الثانية : أنّه كان من أهل العلم الظاهري ، وكان بحيث لا تخفى على أحوال الأئمّة عليهم السلام وأنّهم أهل العلم ، فما ذكره شامل لمن كتم علمه بالنسبة إلى غيره ۱
لأمر إلهيّ اقتضاه ، والحسن البصري كان منحرفاً عنهم عليهم السلام فإنّ كلّ من لم يلتجى ء إليهم ولم يأخذ عنهم ولم يعتقد إمامتهم فهو منحرف عنهم فضلاً عن غيره ، وإن لم يعلم بذلك كان في زمرة أهل الجهل في حقّ من كتم العلم منهم وحقّ من تقدّمهم ممّن كتم العلم ، والإمام عليه السلام أعلم بمواقع الكلام ومقاصده .
وإنّ كلام الحسن البصري كان مشتملاً على مثل ۲ ما ذكر ومحلاًّ لأن يُرَدُّ ، فلا يرد إمكان حمل كلام الحسن البصري على من يكتم العلم في حال لا يجوز له كتمه ، فإنّ ذلك مذموم في الكتاب والسنّة وهم عليهم السلام أمروا بنشر العلم .
ويمكن أن يكون هذا الكلام اخترعه الحسن البصري أو وضعه ، فيرد عليه ما ذكر .
الثالثة : أنّه كأنّه لمّا رأى ذمّ كتم العلم في الكتاب والسنّة حمله على العموم ، ولم يأخذ وجه تأويله عنهم عليهم السلام ليظهروا له من يؤاخذ بالكتم ومن لا يؤاخذ به بل قد يجب عليه .

1.في «ألف ، ب» : + «كزين العابدين عليه السلام ، فإنّه ممّن كتم علمه» .

2.في «ب» : «نحو» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 84618
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي