327
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5

لا بِمَسافَةٍ ، قَريبٌ لا بِمُداناةٍ ، لَطيفٌ لا بِتَجَسُّمٍ ، مَوجودٌ لا بَعدَ عَدَمٍ ، فاعِلٌ لا بِاضطِرارٍ ، مُقَدِّرٌ لا بِحَولِ فِكرَةٍ ، مُدَبِّرٌ لا بِحَرَكَةٍ ، مُريدٌ لا بِهَمامَةٍ ، شاءٍ لا بِهِمَّةٍ ، مُدرِكٌ لا بِمِجَسَّةٍ ، سَميعٌ لا بِآلَةٍ ، بَصيرٌ لا بِأَداةٍ .
لا تَصحَبُهُ الأَوقاتُ ، ولا تَضَمَّنُهُ الأَماكِنُ ، ولا تَأخُذُهُ السِّناتُ ، ولا تَحُدُّهُ الصِّفاتُ ، ولا تُقَيِّدُهُ الأَدَواتُ ، سَبَقَ الأَوقاتَ كَونُهُ ، وَالعَدَمَ وُجودُهُ وَالاِبتِداءَ أَزَلُهُ ، بِتَشعيرِهِ المَشاعِرَ عُرِفَ أَن لا مَشعَرَ لَهُ ، وبِتَجهيرِهِ الجَواهِرَ عُرِفَ أَن لا جَوهَرَ لَهُ ، وبِمُضادَّتِهِ بَينَ الأَشياءِ عُرِفَ أَن لا ضِدَّ لَهُ ، وبِمُقارَنَتِهِ بَينَ الأُمورِ عُرِفَ أَن لا قَرينَ لَهُ ، ضادَّ النُّورَ بِالظُّلمَةِ ، وَالجَلايَةَ بِالبُهمِ ، وَالجَسوَ ۱ بِالبَلَلِ ، وَالصَّردَ بِالحَرورِ .
مُؤَلِّفٌ بَينَ مُتَعادِياتِها ، مُفَرِّقٌ بَينَ مُتَدانِياتِها ، دالَّةٌ بِتَفريقِها عَلى مُفَرِّقِها ، وبِتَأليفِها عَلى مُؤَلِّفِها ، ذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »۲ فَفَرَّقَ بِها بَينَ قَبلٍ وبَعدٍ ؛ لِيُعلَمَ أَن لا قَبلَ لَهُ ولا بَعدَ ، شاهِدَةٍ بِغَرائِزِها أَن لا غَريزَةَ لِمُغَرِّزِها ، دالَّةً بِتَفاوُتِها أَن لا تَفاوُتَ لِمُفاوِتِها ، مُخبِرَةً بِتَوقيتِها أَن لا وَقتَ لِمُوَقِّتِها .
حَجَبَ بَعضَها عَن بَعضٍ لِيُعلَمَ أَن لا حِجابَ بَينَهُ وبَينَها غَيرُها ، لَهُ مَعنَى الرُّبوبِيَّةِ إِذ لا مَربوبَ ، وحَقيقَةُ الإِلهِيَّةِ إِذ لا مَألوهَ ، ومَعنَى العالِمِ ولا مَعلومَ ، ومَعنَى الخالِقِ ولا مَخلوقَ ، وتَأويلُ السَّمعِ ولا مَسموعَ ، لَيسَ مُذ خَلَقَ استَحَقَّ مَعنَى الخالِقِ ، ولا بِإِحداثِهِ البَرايا استَفادَ مَعنَى البارِئِيَّةِ ، كَيفَ ولا تُغَيِّبُهُ مُذ ، ولا تُدنيهِ قَد ، ولا تَحجُبُهُ لَعَلَّ ، ولا تُوَقِّتُهُ مَتى ، ولا تَشمُلُهُ حينَ ، ولا تُقارِنُهُ مَعَ .
إِنَّما تَحُدُّ الأَدَواتُ أَنفُسَها ، وتُشيرُ الآلَةُ إِلى نَظائِرِها ، وفِي الأَشياءِ يوجَدُ فِعالُها ،

1.الجسو : الجمود . وجسا الماء جَمُد (تاج العروس : ج ۱۹ ص ۲۸۶) .

2.الذاريات : ۴۹ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
326

مِن الحَدَثِ .
فَلَيسَ اللّهَ عَرَفَ مَن عَرَفَ بِالتَّشبيهِ ذاتَهُ ، ولا إِيّاهُ وَحَّدَ مَنِ اكتَنَهَهُ ۱ ، ولا حَقيقَتَهُ أَصابَ من مَثَّلَهُ ، ولا بِهِ صَدَّقَ مَن نَهّاهُ ، ولا صَمَدَ صَمَدَهُ مَن أَشارَ إِلَيهِ، ولا إِيّاهُ عَنى مَن شَبَّهَهُ ، ولا لَهُ تَذَلَّلَ مَن بَعَّضَهُ ، ولا إِيّاهُ أَرادَ من تَوَهَّمَهُ .
كُلُّ مَعروفٍ بِنَفسِهِ مَصنوعٌ ، وكُلُّ قائِمٍ في سِواهٌ مَعلولٌ ، بِصُنعِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلَيهِ ، وبِالعُقولِ يُعتَقَدُ مَعرِفَتُهُ ، وبِالفِطَرَةِ تَثبُتُ حُجَّتُهُ ، خَلقُ اللّهِ الخَلقَ حِجابٌ بَينَهُ وبَينَهُم ، ومُبايَنَتُهُ إِيّاهُم مُفارَقَتُهُ إِنِّيَّتَهُم ، وَابتِداؤُهُ إِيّاهُم دَليلُهُم عَلى أَن لَا ابتِداءَ لَهُ ؛ لِعَجزِ كُلِّ مُبتَدَا عَنِ ابِتداءِ غَيرِهِ ، وأَدوُهُ ۲ إيّاهُم دَليلٌ عَلى أَن لا أَداةَ فَيهِ ؛ لِشَهادَةِ الأَدَواتِ بِفاقَةِ المُتَأَدّينَ . وأَسماؤُهُ تَعبيرٌ ، وأَفعالُهُ تَفهيمٌ ، وذاتُهُ حَقيقَةٌ ، وكُنهُهُ تَفريقٌ بَينَهُ وبَينَ خَلِقهِ ، وغُبورُهُ تَحديدٌ لِما سِواهُ ، فَقَد جَهِلَ اللّهَ مَنِ استَوصَفَهُ ، وقَد تَعدّاهُ مَنِ اشتَمَلَهُ ، وقَد أَخطَأَهُ مَنِ اكتَنَهَهُ ، ومَن قالَ : «كَيفَ ؟» فَقَد شَبَّهَهُ ، ومَن قالَ : «لِمَ ؟» فَقَد عَلَّلَهُ ، ومَن قالَ : «متى ؟» فَقَد وَقَّتَهُ ، ومَن قالَ : «فيمَ ؟» فَقَد ضَمَّنَهُ ، ومَن قالَ : «إِلامَ ؟» فَقَد نَهّاهُ ، ومَن قالَ «حَتّامَ ؟» فَقد غَيّاهُ ، ومَن غَيّاهُ فَقَد غاياهُ ، ومَن غاياهُ فَقَد جَزَّأَهُ ، ومَن جَزَّأَهُ فَقَد وَصَفَهُ ، ومَن وَصَفَهُ فَقَد أَلحَدَ فيهِ .
ولا يَتَغَيَّرُ اللّهُ بِانغِيارِ المَخلوقِ ، كَما لا يَتَحَدَّدُ بِتَحديدِ المَحدودِ . أَحَدٌ لا بِتَأويلِ عَدَدٍ ، ظاهِرٌ لا بِتَأويلِ المُباشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ لا بِاستِهلالِ رُؤيَةٍ ، باطِنٌ لا بِمُزايَلَةٍ ، مُبايِنٌ

1.اكتنهه : أي توهّم أنّه أصاب كنهه (بحار الأنوار : ج ۴ ص ۲۳۵) .

2.أدْو ـ على وزان فلس ـ : مصدر جعلي من الأداة مضاف إليه تعالى؛ أي جعله إيّاهم ذوي أدوات وآلات في إدراكاتهم وأفعالهم. و«المتأدّين» أيضا من هذه المادّة جمع لاسم الفاعل من باب التفعّل؛ أي من يستعمل الأدوات في اُموره (هامش المصدر) .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 86290
الصفحه من 382
طباعه  ارسل الي