469
حكم النّبيّ الأعظم ج6

6 . تجديد ميثاق الإخاء الديني آخر الزمان

احتضن الباب الخامس من الفصل الخامس من هذا القسم، أحاديث يذكر فيها النبيّ صلى الله عليه و آله أقواماً يهبّون لنصرة الإسلام آخر الزمان، وينعتهم بأنّهم «إخوانه» لما يتّسمون به من الثبات ورباطة الجأش وقوّة الجنان ورسوخ الإيمان.
إنّ تفحّص هذه الأحاديث وتأمّلها، ووضعها إلى جوار تلك الأحاديث التي جاءت في ظلال الآيات التي تخبر عن أنصار الإسلام في مستقبل التاريخ، كما في قوله:
«فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ» . ۱
وقوله:
«وَ إِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُواْ أَمْثَــلَكُم » . ۲
تضع الباحث أمام حصيلة مفادها، أنّ طرح ميثاق الإخاء الديني مثلما كان في صدر الإسلام، أحد المقدّمات الأساسية لانتصار المسلمين وتأسيس الحكومة الإسلامية بقيادة النبيّ صلى الله عليه و آله ، فكذلك سيكون في آخر الزمان؛ إذ سيتجدّد هذا الميثاق وينطلق بزخم أكبر، ليؤلّف ـ بإذن اللّه تعالى ـ الأرضيّة لتكوين حكومة الإسلام ودولته العالمية بقيادة المهدي من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، ليتجلّى بذلك عملياً الوعد الإلهي الحقّ :
«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»۳ . ۴

1.المائدة: ۵۴.

2.محمّد: ۳۸.

3.التوبة: ۳۳ وراجع الفتح: ۲۸ و الصف:۹.

4.سنعرض لهذا الموضوع تفصيلاً في موسوعة الإمام المهدي عليه السلام .


حكم النّبيّ الأعظم ج6
468

5 . دور الإخاء الديني في تأسيس الحكومة الإسلامية

تكشف النصوص التي يستوعبها هذا القسم، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بادر للمؤاخاة بين أصحابه وأنصاره مرّتَين؛ مرّة في مكّة قبل الهجرة، والثانية في المدينة بعد الهجرة، حيث اتّخذ من المؤاخاة وسيلة لترسيخ الانسجام بين أتباعه.
لقد كان لهذه المبادرة السياسية الإلهية دورها الأساسي العميق في تأسيس أوّل حكومة إسلامية، خاصّة بعد هجرة المسلمين إلى المدينة ، فقد تجاوبت هذه المبادرة مع التحدّيات التي كانت تحيط بالمجتمع الإسلامي؛ هذا المجتمع الذي كان يواجه من جهة خطر الشرك القرشي وعبدة الأصنام عامّة، كما كان يتهدّده من جهة اُخرى خطر يهود المدينة ممّن يعيش في داخلها وخارجها، بخاصّة مع ما كان يتمتّع به هؤلاء من ثروة وإمكانات كبيرة، ثمّ كانت هناك التحديات الناشئة عن الداخل الإسلامي نفسه، فيما كان يعانيه المجتمع الإسلامي الجديد من فرقة وتفكّك وتقاطع ، خذ على سبيل المثال حالة العداء والضغينة التي كانت تضرب بأطنابها بين قبيلتي الأوس والخزرج، فضلاً عن الاختلافات الثقافية والفكرية التي ترمي بظلالها على البناء الاجتماعي للمهاجرين والأنصار.
في مناخ مثقل بهذه المؤثّرات، نزلت آية الاُخوّة:
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» . ۱
حيث بادر رسول اللّه صلى الله عليه و آله مستلهماً الوحي الإلهي، وبصفته سياسياً متضلّعاً وقائداً محنّكاً؛ إلى طرح ميثاق الإخاء الديني بين المسلمين مجدّداً ، فآخى بين المهاجرين والأنصار ، ووظّف معطيات هذا المبدأ الربّاني في نَسج الوحدة السياسية والمعنوية في المجتمع الجديد، فتغلّب على معضلة الاختلافات الداخلية عن هذا السبيل، وأرسى دعائم أوّل حكومة إسلامية ورسّخ بُناها التكوينية من خلال حالة الانسجام والوحدة التي نشأت في مقابل أعداء الإسلام، إثر ترسيخ مبدأ الإخاء الديني.
يحدّثنا التاريخ عن المشهد الذي انبلج فيه ميثاق الإخاء الديني، وهو يسجّل بأنّ النبيّ المصطفى صلى الله عليه و آله لمّا قدم المدينة جمع المسلمين يوماً، والتفت إليهم مخاطباً:
تَآخَوا فِي اللّه ِ أخوَينِ أخوَينِ.۲
ثمّ قدّم لنا سجلّ السيرة النبوية ومصادر التاريخ الإسلامي ثبتاً بمن آخى النبيّبينهم وتآخوا، بيدَ أنّ الانتخاب الأروع في هذا المشهد هو اختيار النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله للإمام عليّ عليه السلام ، أخاً له، حيث أخذ بيده أمام الملأ وقال:
أنتَ أخي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ.۳
تفيد النصوص التاريخية والحديثية أنّ من آثار هذه الخطوة في الإخاء الديني، توارث المسلمين المتآخين بعضهم لبعض، حتّى إذا ما قويت شوكة الإسلام وصلب عوده، نسخ هذا الحكم وانقطعت المؤاخاة في الميراث. ۴

1.الحجرات : ۱۰ .

2.راجع: ص ۴۵۰ (مؤاخاة اصحاب النبى بعد الهجرة) .

3.راجع: ص ۴۵۴ (اوّل من تآخوا فى الأسلام) .

4.راجع: ص ۴۵۰ (مؤاخاة اصحاب النبي بعد الهجرة) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 163925
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي