123
حكم النّبيّ الأعظم ج4

فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ! إنَّ في شيعَتِكَ ومَواليكَ قَوماً يَتَحَمَّلونَ عُلومَكُم ويَبُثّونَها في شيعَتِكُم ، فَلا يَعدَمونَ عَلى ذلِكَ مِنهُمُ البِرَّ والصِّلَةَ وَالإِكرامَ .
فقال : لَيسَ اُولئِكَ بِمُستَأكِلينَ . ۱
الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا المجال هي أنّ أخذ الأجر على التبليغ من غير طلبه وإن لم يكن فيه بأس ، ولايتعارض مع بعض مراتب الإخلاص ، بيد أنّ تركه أولى ؛ إذ أنّ الأنبياء والأولياء الكمّل كانوا يتجنّبون استلام أي نوع من الأجر ، ولم يكونوا يقبلون أخذ أيّ أجر ، ليس في مقابل التبليغ فحسب ، بل في مقابل أيّ عمل اُخروي آخر كانوا يؤدّونه للّه ، حتّى في أشدّ الظروف المعيشيّة قسوةً . وقد رويت في هذا المجال قصّة شائقة جدّاً عن النبيّ موسى عليه السلام ، نوردها في ما يأتي .

قصّة تعكس إخلاص موسى عليه السلام

قبل أن يُبعث موسى عليه السلام نبيّاً ، فرَّ من الفراعنة ، وبعد مصاعب جمّة وصل إلى «مدين» ، وهي مدينة النبيّ شعيب عليه السلام . وكان على مقربة من تلك المدينة بئر اجتمع عنده الرعاة ليسقوا أغنامهم من الماء . وكان بجانب هؤلاء الرعاة بنتان جاءتا تستسقيان الماء لأغنامهما ، إلّا أنّ شدّة الزحام حال دون تقرّبهما من البئر والاستسقاء منه . وعندما شاهد موسى عليه السلام ذلك شعر أنّ البنتين بحاجة إلى العون ، فبادر إلى مساعدتهما وسقى أغنامهما ، ثمّ غادرت البنتان المكان برفقة الأغنام .
وكان موسى آنذاك يتضوّر من شدّة الجوع ، فرفع يديه بالدعاء وقال :
«رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» . ۲
وفي هذا الخصوص يقول الإمام عليّ عليه السلام :

1.معاني الأخبار : ص ۱۸۱ .

2.القصص : ۲۴.


حكم النّبيّ الأعظم ج4
122

3 . تحريف القيم الدينيّة

إنّ أجسم الأضرار التي تنجم عن تبليغ الدين لقاء الأجر هو تحريف القيم الدينيّة . فعندما ينزَّل التبليغ على شكل سلعة ، يميل المبلّغ إلى أخذ رغبة المخاطب بنظر الاعتبار بدلاً من النظر إلى حاجته . ومن هنا يجد نفسه مضطرّا إلى عرض سلعته وفقاً لرغبة المخاطب ، وهكذا فقد يرى من الضرورة أحياناً تحريف القيم الدينيّة في سبيل نيل أغراضه الدنيويّة .
ويعزو القرآن الكريم تحريفَ الكتب السماويّة السابقة إلى هذه الظاهرة الخطيرة ؛ وذلك لأنّ جماعة من المبلّغين وقادة الأديان حرّفوا الحقائق الدينيّة نزولاً عند رغبة أصحاب السلطة والمال لقاء ثمن بخسٍ . ۱

ب ـ أخذ الأجر على التبليغ من دون طلبه

إنّ الانعكاسات السلبيّة ـ التي سبقت الإشارة إليها ـ تظهر في الوقت الذي يتصرّف المبلّغ تصرّفا يعاكس تماما ما كان يتصرّفه الأنبياء ؛ وذلك أنّ الأنبياء كانوا يقولون : إنّنا لا نريد أجراً على التبليغ ، أمّا هو فيقول : اُريد أجرا عليه ، ويتعامل بدين اللّه كسلعة . لكن في صورة ما إذا لم يطلب المبلّغ أجراً وبادر الناس إلى تقديم الأجر له من تلقاء أنفسهم لأجل تأمين شؤونه المعاشيّة ، فلا مانع عندئذٍ من قبوله . وقد روي في هذا المجال عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
المُعَلِّمُ لا يُعَلِّمُ بِالأَجرِ ، وَيَقبَلُ الهَدِيَّةَ إذا اُهدِيَ إلَيهِ .۲
وروى حمزة بن حمران أيضاً ، قال : سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول :
مَنِ استَأكَلَ بِعِلمِهِ افتَقَرَ .

1.راجع : البقرة : ۴۱ .

2.التهذيب الأحكام : ج ۶ ص ۳۶۵ ح ۱۰۴۷ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 203742
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي