591
حكم النّبيّ الأعظم ج4

وضمان حاكمية الإسلام الأصيل في المجتمع.
لذلك لم يكن غريبا ما كتبه الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام من لغة حادّة في رسالة نصيحة بعث بها إلى واحد من هذا النمط من العلماء وهو محمّد بن مسلم الزهري، خاطبه فيها بقوله:
فَلَم يَبلُغ أخَصُّ وُزَرائِهِم ولا أقوى أعوانِهِم ، إلّا دونَ ما بَلَغتَ مِن إصلاحِ فَسادِهِم وَاختِلافِ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ إلَيهِم!۱
أ وبعد ذلك يجوز للعقل أن يذعن بأنّ خاتم أنبياء اللّه والحلقة الأخيرة في قافلة المرسلين، الذي أنبأ بأنّ دينه يظهر على الأديان كلّها وتكون له الغلبة على العالَم حتّى قيام الساعة، قد أمر اُمّته أن تلتزم منهاج الصبر والصمت ضدّ الأشخاص الذين استهدفوا الإطاحة بالمرتكز الأساسي والاُسّ الركين الذي تقوم عليه الفلسفة الاجتماعية للديانة متمثّلاً بالقيام بالقسط، ليكون بذلك قد وضع بيده عوامل الانهيار التي تقوّض أركان دينه وتنشب في كيانه أظفار المنية؟ الحقيقة أنّ العكس هو الصحيح، فقد نفى صلى الله عليه و آله انتساب مثل هذه الأحاديث إليه التي تأباها فطرة القلوب وينفر منها الفكر، وبهذا المعيار الراكز حذّر المسلمين من أنّه لا ينطق بمثل هذا الكلام ولا يحدّث بحديث كهذا.

ج ـ التعارض مع القرآن

المعيار الآخر الذي يدخل في تحديد صحّة الحديث المنسوب إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، هو القرآن الكريم.
على ضوء هذا المعيار تبرز نقطة اُخرى في نقد أحاديث الصبر على أثَرة الاُمراء وظلم الحكّام وتقويمها، تتمثّل هذه المرّة في أنّ هذه الأحاديث لا تتعارض مع منطق الفطرة والعقل فحسب، وإنّما هي خلاف النصّ القرآني الصريح أيضا، هذا النصّ الذي يسجّل دون مراء بأنّ الفلسفة التي تكمن وراء بعث جميع الأنبياء الإلهيين هي القيام بالقسط وبسط

1.تحف العقول : ص ۲۷۶ ، بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۱۳۲ ح ۲.


حكم النّبيّ الأعظم ج4
590

جاء في شرح الموطّأ أنّ رأي مالك وجمهور أهل السنّة، هو:
إذا ظلم الإمام فالطاعة أولى من الخروج. ۱
يقول الباقلّاني:
قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث : لا ينخلع [ الإمام ]بهذه الاُمور [بفسقه وظلمه ، وبغصب الأموال وضرب الأشبار ، وتناول النفوس المحرّمة ، وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود] ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي اللّه ، واحتجّوا في ذلك بأخبار كثيرة متظاهرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله وعن أصحابه في وجوب طاعة الأئمّة وإن جاروا واستأثروا بالأموال . ۲

ب ـ وضع الدين في خدمة الساسة الفاسدين

لا شكّ في أنّ بروز هذا الضرب من الفتاوى في تاريخ الإسلام لم تقتصر تبعاته على فصل الدين عن السياسة، وإنّما دفع أيضا إلى أن يتحوّل الدين إلى وسيلة لخدمة الحكّام المنحرفين والقادة الفاسدين الذين تبوّؤوا السلطة باسم الدين وفعلوا كلّ ما أرادوه تحت غطاء الإسلام !
على هذا ، يمكن القول إنّ جماعة برزت تحت عنوان المحدّثين والفقهاء أسدت ـ عن علم منها أو جهل ـ أكبر خدمة وأنفذها نفعا للحكّام الطغاة الذين مارسوا حكم المسلمين باسم الإسلام وأنهكوا كيان الإسلام الأصيل بضربات عنيفة موجعة حالت دون دوام الحكومة الإسلامية؛ وذلك عبر ما قامت به تلك الجماعة من المحدّثين والفقهاء من فصل للدين عن السياسة، وما أشاعته فتاواها والأحاديث التي بثّتها من مناخات منعت الجماهير المسلمة من الثورة لأجل إحقاق حقوقها

1.تاريخ المذاهب الإسلامية : ص ۹۰ .

2.تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلّاني : ص ۴۷۸ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 204215
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي