125
حكم النّبيّ الأعظم ج2

2 . عدم تعارض علم اللّه عز و جل مع إرادته وحرية الإنسان

من الممكن أن تكون هذه الروايات كناية عن العلم الأزلي للّه تعالى بالاُمور المذكورة ، حيث وردت الإشارة في بعضها ۱ إلى هذا الموضوع ، بمعنى أنّ جميع الحوادث الّتي ستقع للإنسان والعالم يعلمها اللّه تعالى ، فهو يعلم نصيب كلّ إنسان من هذه الدنيا، ومِمَّن سوف يتزوّج ، وما هو الموقع الّذي سيتمتّع به من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة ، ومن سيكون ظالما ومن سيكون مظلوما ومن سيكون سعيدا، ومن سيكون شقيّا ، ومن سيدخل الجنّة ، ومن سيدخل النار، وباختصار : فإنّ اللّه ـ تعالى ـ يعلم المصير الدنيوي والاُخروي لجميع الناس، ولكنّ الملاحظة المهمّة والدقيقة هي أنّ علم اللّه ، ليس علّة للمعلوم ، بل هو تابع له ، لا متبوع له كما ظنّ الأشاعرة وأتباعهم .
بناءً على ذلك ، فإنّ العلم الأزلي للّه ـ تعالى ـ لا يتعارض ؛ لا مع إرادته ومشيئته ، ولا مع إرادة الإنسان واختياره في تعيين مصيره.
بعبارة اُخرى : فإنّ المراد من الأحاديث المذكورة ، أنّ اللّه ـ تعالى ـ يعلم كيف سيعيّن الإنسان باختياره مصيره في الدنيا والآخرة ، فهل سيكون شقيّا، أم سعيدا؟ وهل سيكون من أهل الجنّة ، أو من أهل النار؟ حيث ذكر هذا المعنى بوضوح في بعض الأحاديث ، فقد روى الشيخ الصدوق عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ وَمَضَى القَدَرُ ، بِتَحقيقِ الكِتابِ وَتَصديقِ الرُّسُلِ ، وَبِالسَّعادَةِمِنَ اللّه ِ عز و جللِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وَكَفَرَ ، وَبِوِلايَةِ اللّه ِ المُؤمِنينَ وَبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ .۲
على هذا فإنّ جفاف قلم التقدير لا يسلب الإنسان حرّيته وحسب ، بل إنّه يمنحه الحرّية ، لأنّ كتابته الّتي هي غير قابلة للتغيير هي حرّية الإنسان في اختيار طريق السعادة ، أو الشقاء.
نعم ، هناك قلم آخر إذا جفّ فإنّ الحرّية ستسلب من الإنسان ، ألا وهو قلم التكليف ، كما جاء في الحديث النبويّ في وصف الموت المفاجئ للأشخاص الشرّيرين :
أما رَأَيتُمُ المَأخوذينَ عَلَى العِزَّةِ وَالمُزعَجينَ بَعدَ الطُمَأنينَةِ ، الَّذينَ أقاموا عَلَى الشُبُهاتِ وَجَنَحوا إلَى الشَّهَواتِ ، حَتّى أتَتهُم رُسُلُ رَبِّهِم ، فَلا ما كانوا أمَّلوا أدرَكوا ، ولا إلى ما فاتَهُم رَجَعُوا ، قَدِموا عَلى ما عَمِلوا ، ونَدِمُوا عَلى ما خَلَّفوا ، وَلَن يُغنِي النَّدَمُ وَقَد جَفَّ القَلَمُ . فَرَحِمَ اللّه ُ امرَءا قَدَّمَ خَيرَا وَأنفَقَ قَصدا وَقالَ صِدقَا ، وَمَلَكَ دَواعي شَهوَتِهِ وَلَم تَملِكهُ ، وَعَصى أمرَ نَفسِهِ فَلَم تَملِكهُ .۳

1.راجع : ص ۱۱۹ ح ۱۵۵۹ .

2.التوحيد : ص۳۴۳ ـ ۳۴۴ ح۱۳ .

3.بحارالأنوار : ج ۷۷ ص ۱۷۹ ح ۱۰ .


حكم النّبيّ الأعظم ج2
124

ملاحظات لفهم الأحاديث المذكورة :

لبيان هذه الأحاديث ، من الضروريّ الالتفات إلى ثلاث ملاحظات :

1 . التعارض مع القرآن والأحاديث القطعيَّة الصدور

إنّه إذا كان المراد من هذه الأحاديث إلغاء حرّية الإنسان في تعيين مصيره وعاقبته ، وسلب الإرادة والمشيئة الإلهية في تغيير مصير الإنسان والعالَم ، فإنّ هذه الأحاديث الآحاد لا تعارض الأحاديث المتواترة والسنّة القطعيّة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فحسب ، بل إنّها تتعارض مع صريح القرآن الكريم ، بل ومع فلسفة بعثة الأنبياء، وبناءً على ذلك فإنّها مردودة ولا يمكن قبولها على فرض صحّة أسانيدها .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 169438
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي