285
حكم النّبيّ الأعظم ج2

دراسة في شهادة اللّه على نبوّة محمّدٍ

يمكن أن نتصوّر شهادة اللّه تعالى على نبوّة الأنبياء عن طريقين :
أ ـ الشهادة القوليّة .
ب ـ الشهادة العمليّة .
والشهادة القوليّة يمكن أن تكون على لونين :
1 ـ الوحي والإلهام : يمكن للّه تعالى أن يُعلن للناس عن نبوّة شخصٍ ما ، ويقدّم الشهادة على نبوّته بواسطة الوحي والإلهام ، غير أ نّ الاستعانة بهذا الطريق تكون في دائرة الإمكان ، حينما يتوفّر الناس على استعداد تلقّي الوحي والإلهام .
وبعبارةٍ اُخرى : إنّ الإشكال ليس من جهة المُرسِل ، بل من جهة المُستقبِل ، فإذا كان المُستقبِلُ ـ الّذي هو الناس ـ قادرا على تلقّي كلام اللّه أمكن أن يرسل اللّه تعالى لهم نداءه بصدد نبوّة نبيّه ، وبشكلٍ مباشر .
ويُستفاد من القرآن الكريم أ نّ اللّه تعالى استخدم هذا الاُسلوب بصدد نبوّة بعض الأنبياء ، كما هو الحال بالنسبة إلى نبوّة عيسى لدى الحواريّين ، حيث يقول : «وإذ أوْحَيتُ إلَى الحَوارِيِّينَ أنْ آمِنوا بِي وبِرَسُولي قالوا آمَنّا واشْهَدْ بأ نّنا مُسلِمونَ» . ۱
2 ـ المعجزة القوليّة : يختصّ الطريق الأوّل باُولئك النفر الّذين استبعدوا حجب المعرفة القلبيّة ، وأمكنهم الارتباط بالمصدر عن طريق القلب بغية أن يتوفّروا على حقائق المعرفة .
غير أ نّ الطريق الثاني طريق عامّ ؛ يعني يمكن بواسطة هذا الطريق أن تستعين عامّة الناس الّذين ليست لديهم القدرة على المعرفة القلبيّة .
وهذا الطريق عبارة عن أ نّ اللّه تعالى يشهد على نبوّة نبيّه بواسطة مقال معجز بذاته ؛ يعني أ نّ عامّة الناس تفهم بوضوح أ نّ هذا الكلام ليس كلاما بشريّا ، وأ نّ الإنسان مهما ارتقى في مدارج العلم والثقافة والأدب لا يقدر أن يأتي بمثل هذا الحديث.
أ مّا الشهادة العمليّة فيمكن أن تكون على لونين أيضا :
1 ـ المعجزة : وهي عبارة عن فعلٍ يدلّ علَى ارتباط مدّعي النبوّة باللّه تعالى ، ومن هنا يعبّر القرآن الكريم عن هذا الفعل بالآية والبيّنة ، نظير إلقاء العصا وإحياء الموتى .
على هذا الأساس ، إذا توفّر مدّعي النبوّة على معجزة ، فهي ـ أي المعجزة ـ شهادة عمليّة من قبل اللّه تعالى على صدق المدّعي .
2 ـ التقرير : إذا افترضنا أ نّ شخصا قدّم نفسه للناس بوصفه ممثّلاً لشخصيّةٍ ما ، وألقى على الناس في حضور تلك الشخصيّة بيانا يدّعي فيه أ نّه مِن قِبَلها ، والتزمت تلك الشخصيّة الصمت دون عذرٍ ، فمثل هذا السكوت والصمت تقرير وشهادة عمليّة من قبل تلك الشخصيّة على صدق نيابة المدّعي وصحّة بيانه .
في ضوء ما تقدّم : فإذا قدّم فرد ما نفسه بوصفه رسول اللّه تعالى ، وطرح نبوّته ـ بشكلٍ من الأشكال ـ بين يدَي مبدع العالم ، ولم تذعن لنبوّته عامّة الناس فحسب ، بل صدّقه العلماء ، ولم يُبطل اللّه تعالَى ادّعاءه أمام الناس عن طريق واضح ، فمثل هذا السكوت شهادة عمليّة وتقرير وتأييد لصحّة ادّعائه .

1.المائدة : ۱۱۱.


حكم النّبيّ الأعظم ج2
284

«قُلْ أَىُّ شَىْ ءٍ أَكْبَرُ شَهَـدَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَـذَا الْقُرْءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَى قُل لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَ حِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ » . ۱

الحديث

۲۰۴۲.الإمام الباقر عليه السلامـ في قَولِهِ تَعالى :«قُلْ أَىُّ شَىْ ءٍ أَكْبَرُ شَهَـدَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَـذَا الْقُرْءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَى قُل لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَ حِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ»ـ: ذلك أنَّ مُشرِكي أهلِ مَكَّةَ قالوا : يا مُحمَّدُ ، ما وَجَدَ اللّه ُ رَسولاً يُرسِلُهُ غَيرَكَ ؟! ما نَرى أحَدا يُصَدِّقُكَ بِالَّذي تَقولُ . وذلِكَ في أوَّلِ ما دَعاهُم وهُو يَومَئِذٍ بمَكَّةَ ، قالوا : ولَقَد سَألنا عَنكَ اليَهودَ وَالنَّصارى فزَعَموا أ نَّهُ لَيسَ لَكَ ذِكرٌ عِندَهُم ، فَأتِنا بمَن يَشهَدُ أ نَّكَ رَسولُ اللّه ِ ! قالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : «اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ» الآية . ۲

1.الأنعام : ۱۹.

2.تفسير القمّي : ج ۱ ص ۱۹۵ عن أبي الجارود ، بحار الأنوار : ج ۱۸ ص ۲۳۵ ح ۷۸ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 164192
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي