309
حكم النّبيّ الأعظم ج2

تحليل حول حكمة ختم النّبوّة

يطول الحديث عن حكمة ختم النبوّة ، ولكن ما تمكن الإشارة إليه هنا بشكل مجمل أنّ فلسفة بعثة الأنبياء الإلهيين ، هي تقديم برنامج تكامل المجتمع البشري ، حيث يجب أن يتمّ إبلاغ هذا البرنامج للناس تدريجيّا ؛ لأنّ مثل المجتمع على مرّ التاريخ كمثل طفل يتربّى في أحضان تعليم الأنبياء وتربيتهم ، ولذلك فإنّ برامج الأنبياء في مراحل حياة هذا الطفل المختلفة يجب أن تتناسب مع طبيعته واستعداده .
وعلى هذا الأساس فقد تغيّر الشكل التنفيذي لبرامج الأنبياء في أربع مراحل من مراحل التاريخ قبل الإسلام ، وقد تمّ إبلاغ هذه التغييرات إلى المجتمع بواسطة أربعة من الأنبياء الإلهيين الكبار الّذين كانوا أصحاب كتب وشرائع ، ونحن نسمّيهم أنبياء الشرائع ، وهم : نوح ، إبراهيم ، موسى و عيسى عليهم السلام .
وقد كان الأنبياء الإلهيّون الآخرون ، مبلّغين لشريعة هؤلاء الأنبياء أصحاب الشرائع ، حيث تواصلت القيادة الإلهيّة من خلالهم حتّى عاد المجتمع يمتلك الاستعداد لاستلام بلاغ آخر الرسالات الإلهيّة ، وهنا تمّ إبلاغ آخر برامج تكامل الإنسان وأكملها إلى البشرية بواسطة خاتم الأنبياء في مجموعة تُدعى القرآن ، لتنتهي سلسلة الأنبياء بإبلاغ هذه الرسالة .
وقد بيّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في إحدى الروايات ، هذا التحليل من خلال مثل بسيط :
مَثَلي فِي النَّبيِّينَ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنى دارا فَأحسَنَها وأكمَلَها وجَمَّلَها وتَرَكَ مِنها مَوضِعَلَبِنَةٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطوفونَ بِالبِناءِ ويَعجَبونَ مِنهُ ويَقولونَ : لَو تَمَّ مَوضِعُ تِلكَ اللَّبِنَةِ ! وأنا فِي النَّبِيِّينَ بِموضِعِ تِلكَ اللَّبِنَةِ .۱
واستنادا إلى هذا المثل ، فإنّ اللّه تعالى أراد من خلال بعثة الرّسل أن يشيّد بناءً معنويّا في العالم لتربية الإنسان الكامل ، لم يكن العالم يستطيع بدونه أن يربّي سوى الحيوان .
ورغم أنّ اللّه سبحانه كان مهندس هذا البناء ، إلّا أنّ بناءه استغرق قرونا عديدة ؛ ذلك لأنّه كان من المتعيّن أن تهيّأ أجزاؤه وأرضية بنائه على مدى القرون . وتتمثّل اللبنة المباركة الاُولى لهذا البناء المعنوي في سيّدنا آدم عليه السلام ، وآخرها في خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، فمع بعثة خاتم الأنبياء اكتملت المدرسة التربوية للمجتمع البشري من جميع الجوانب ، حيث تكفي برامج هذه المدرسة لتكامل جميع أبناء البشر من الناحيتين الماديّة والمعنويّة حتّى نهاية العالم ، وبذلك انتهت النبوّة .
ولكن إمامة الاُمّة وهدايتها استمرّتا بعد انتهاء النبوّة بواسطة خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، عبر أهل البيت عليهم السلام ، كما يصرّح بذلك القرآن الكريم :
« إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» .۲
وقد صرّحت أحاديث الفريقين أنّ المراد من «الهادي» هو الإمام عليّ عليه السلام ، ۳ كما ورد في تاريخ دمشق :
لمّا نزلت : «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ . . .» قال النبيّ : أنَا المُنذِرُ وعَلِيٌّ الهادي .۴
ثمّ استمرّت الإمامة بعد الإمام عليّ عليه السلام في أهل بيته ، كما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
أنَا المُنذِرُ، وعَلِيٌّ الهادي، وكُلُّ إمامٍ هادٍ لِلقَرنِ الَّذي هُوَ فيهِ .۵
وجاء في رواية اُخرى عن الإمام الباقر عليه السلام :
رَسولُ اللّه ِ المُنذِرُ، وعَلِيٌّ الهادي، أمَا وَاللّه ِ ما ذَهَبَ مِنّا و ما زالَت فينا إلَى السّاعَةِ .۶
وقد ورد التأكيد على هذه الحقيقة في حديث الثقلين المتواتر والقطعي الصدور أيضا ، ۷ وبذلك استمرّت الإمامة والقيادة الإلهيّة لأهل بيت النبوّة حتّى مدّة تقرب من ثلاثة قرون . ولكن بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام اقتضت الحكمة الإلهية أن يختفي الإمام من بعده ـ والّذي هو الأب الروحي للاُمّة الإسلامية ـ عن الأنظار وأن يوكل أمر المجتمع الإسلامي اليتيم إلى رعاية الفقهاء والعلماء ، كما روي عن الإمام العسكريّ عليه السلام :
حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أشَدُّ مِن يُتمِ اليَتيمِ الَّذِي انقَطَعَ مِن اُمِّهِ وأبيهِ ، يُتمُ يَتيمٍ انقَطَعَ عَن إمامِهِ ولا يَقدِرُ عَلَى الوُصولِ إلَيهِ ولا يَدري كَيفَ حُكمُهُ فيما يُبتَلى بِهِ مِن شَرائِعِ دينِهِ ، ألا فَمَن كانَ مِن شيعَتِنا عالِماً بِعُلُومِنا ، وهذَا الجاهِلُ بِشَريعَتِهِ المُنقَطِعُ عَن مُشاهَدَتِنا يَتيمٌ في حِجرِهِ ، ألا فَمَن هَداهُ وأرشَدَهُ وعَلَّمَهُ شَريعَتَنا كانَ مَعَنا فِي الرَّفيقِ الأعلى .۸
ومن حكم غيبة إمام العصر(عج) أن تجرّب البشرية أنواع أنظمة الحكم المدّعية للعدالة والحريّة وحقوق الإنسان ، وأن تدرك من خلال هذه التجربة أنّ قيادة الزعماء الإلهيين هي الوحيدة الّتي تستطيع إقامة العدالة في العالم ، وأن تدرك الاُمّة الإسلامية أيضا أنّ امتلاك أكمل البرامج لا يكفي للوصول إلى المجتمع الإسلامي الموعود والمطلوب ، بل إنّ إمامة أهل بيت الرسالة إلى جانبه ضروري أيضا ، وقد وردت الإشارة إلى هذه الحكمة في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام :
ما يَكونُ هذَا الأمرُ حَتّى لا يَبقى صِنفٌ مِنَ النّاسِ إِلّا وقَد وُلّوا مِنَ النّاسِ حَتّى لا يَقولَ قائِلٌ : إنّا لَو وُلّينا ، لَعَدَلنا! ثُمَّ يَقومَ القائِمُ بِالحَقِّ وَالعَدلِ .۹
وبعد توفّر الأرضية السياسية والاجتماعية للحكومة الإسلامية العالمية ، تظهر الذخيرة الإلهيّة الوحيدة لإقامة العدل في العالم ، وبظهورها سوف يتحقّق الوعد الإلهي القاضي بانتشار الإسلام في جميع أرجاء العالم ، هذا الوعد الّذي تكرّر في القرآن ثلاث مرّات :
«هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» . ۱۰

1.سنن الترمذي : ج ۵ ص ۵۸۶ ح ۳۶۱۳ عن أبي بن كعب .

2.الرعد : ۷ .

3.راجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج۸ ( القسم التاسع / الفصل الأوّل : عليّ عن لسان القرآن / الهادي ) .

4.تاريخ دمشق : ج ۴۲ ص ۳۵۹ .

5.راجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج۲ ( القسم الثالث : جهود النبي صلى الله عليه و آله لقيادة الإمام علي عليه السلام / الفصل الثامن : أحاديث الهداية ) .

6.راجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج۲ ( القسم الثالث : جهود النبي صلى الله عليه و آله لقيادة الإمام علي عليه السلام / الفصل الثامن : أحاديث الهداية ) .

7.راجع : كتاب الإمام المهدي من منظار حديث الثقلين .

8.الاحتجاج : ج ۱ ص ۷ .

9.الغيبة للنعماني : ص ۲۷۴ ح ۵۳ .

10.التوبة : ۳۳ ، الفتح : ۲۸ ، الصف : ۹ .


حكم النّبيّ الأعظم ج2
308

۲۰۶۹.عنه صلى الله عليه و آله :إنَّهُ سَيَكونُ في أُمَّتي كَذَّابونَ ثَلاثونَ كُلُّهُم يَزعُمُ أ نَّهُ نَبِيٌّ ، وأنا خاتَمُ النَّبِيِّينَ لا نَبِيَّ بَعدي . ۱

۲۰۷۰.عنه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النَّاسُ ، إنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ، ولا سُنَّةَ بَعدَ سُنَّتي ، فَمَنِ ادَّعى ذلِكَ فَدَعواهُ وبِدعَتُهُ فِي النَّارِ . ۲

۲۰۷۱.عنه صلى الله عليه و آله :أنا العاقِبُ الَّذي لَيسَ بَعدَهُ نَبِيٌّ . ۳

۲۰۷۲.عنه صلى الله عليه و آله :أنا خاتَمُ النَّبِيِّينَ . ۴

۲۰۷۳.صحيح مسلم عن سعيد بن المسيّب عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه :قالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ : أنتَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، إلَا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي . ۵

راجع : موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج2 ( القسم الثالث / الفصل الرابع : أحاديث المنزلة ) .

1.سنن أبي داوود : ج ۴ ص ۹۸ ح ۴۲۵۲ ، مسند ابن حنبل : ج ۸ ص ۳۲۶ ح ۲۲۴۵۸ ، المستدرك على الصحيحين : ج ۴ ص ۴۹۶ ح ۸۳۹۰ كلّها عن ثوبان ، كنز العمّال : ج ۱۱ ص ۳۶۷ ح ۳۱۷۶۱ .

2.الأمالي للمفيد : ص ۵۳ ح ۱۵ عن أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام ، مشكاة الأنوار : ص۲۵۵ ح ۷۵۱ عن الإمام الباقر عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله ، بحار الأنوار : ج ۲۲ ص ۴۷۵ ح ۲۴ .

3.الطبقات الكبرى : ج ۱ ص ۱۰۵ .

4.عيون أخبار الرِّضا عليه السلام : ج ۲ ص ۷۴ ح ۳۴۵ ، بحار الأنوار : ج ۳۹ ص ۳۶ ح ۵ .

5.صحيح مسلم : ج۴ ص۱۸۷۰ ح۳۰، فضائل الصحابة لابن حنبل: ج۲ ص۶۳۳ ح۱۰۷۹، خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: ص۱۱۱ ح۵۰ وفيهما «أما ترضى أن تكون منّي» وبدل «أنت منّي» وص۱۱۴ ح ۵۱ ، مسند أبي يعلى : ج ۱ ص ۳۴۸ ح ۷۳۵ وص۳۵۴ ح ۷۵۱ وفيه «فاصطكّتا» بدل «فاستكّتا» ، تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۱۴۶ ـ ۱۴۸، اُسد الغابة : ج۴ ص۱۰۰ الرقم۳۷۸۹ ، المناقب لابن المغازلي : ص ۲۸ ح ۴۰ وص۲۹ ح ۴۲ وص۳۳ ح ۵۰ ، المناقب للخوارزمي : ص ۱۳۳ ح ۱۴۸ ؛ الأمالي للطوسي : ص ۲۲۷ ح ۳۹۹ نحوه ، المناقب للكوفي : ج ۱ ص ۵۱۳ ح ۴۳۵ وفيه «أما ترضى أن تكون منّي» بدل «أنت منّي» .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 165817
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي