19
المحبّة في الكتاب و السنّة

منهج الإسلام في إيجاد التآلف والمحبّة

لأجل أن يتنعّم المجتمع بحلاوة المحبّة وبركاتها ، ويبقى مصونا من مخاطر العداوة وآفاتها ، لم يكتف الإسلام بالمواعظ والإرشادات الأخلاقيّة ، وإنّما وضع منهجا لغرض إيجاد التآلف والمحبّة وللحيلولة دون تفشّي العداوة والبغضاء .
لقد اعتبر الإسلام كلّ ما يزرع المحبّة في قلوب الناس بعضهم لبعضٍ أمرا واجبا أو مستحبّا ، وجعل كلّ ما يُفضي بهم إلى العداوة والتباغض حراما أو مكروها . وما جاء في القسم الأوّل من هذا الكتاب حول أسباب المحبّة وآدابها وحقوقها يمثّل في الحقيقة منهج الإسلام الهادف إلى خلق أواصر المحبّة بين الناس وتوطيد عُراها ، وما اُدرج فيه بشأن موانع المحبّة وعوامل البغضاء يعكس منهاج الإسلام العملي للوقاية من مخاطر العداوة .

حقّ اختيار الصديق

إنّ الإشكالات التي يمكن إثارتها في ما يخصّ بتنظيم شؤون المجتمع القائم على المحبّة ، هي: هل يبيح الإسلام للإنسان مصادقة من يشاء ؟ وهل يجيز له مدَّ جسور المحبّة حتى مع المبتلين بانحرافات عقائديّة وأخلاقيّة وعمليّة ؟ وإن لا يبيح للإنسان ذلك ، فكيف يمكن الادّعاء بأنّ الإسلام هو دين المحبّة ، وأنّ المجتمع المثالي هو ذلك المجتمع القائم على المحبّة ؟

منطق العقل والفطرة في المحبّة

للإجابة عن السؤال أعلاه نقولُ: إنّ منطق الإسلام في المحبّة والعداوة ـ كما هو الحال في سائر الاُمور ـ هو منطق العقل والفطرة ، فعقل الإنسان وفطرته يدعوانه إلى محبّة كلّ جميل ، وبغض كلّ قبيح ، والإسلام أيضا لا يقول في باب المحبّة والبغضاء سوى ذلك ، وبالقدر نفسه تُصبح محبّة الجمائل بناءةً وتقود إلى تكامل الفرد والمجتمع ، تُصبح محبّة الرذائل والقبائح خطرة مدمّرة .


المحبّة في الكتاب و السنّة
18

والزعماء السياسيّين للاُمّة الإسلاميّة ۱ .
إنّ أئمّة الإسلام العظام من أجل إضفاء حلاوة المحبّة على حياتهم ، والتنعّم ببركات هذه النعمة الإلهيّة الكبرى ، وصفوا المحبّة بتعابير جميلة بليغة تعلق في الأذهان ، مثل «رأس العقل» ۲ ، و «نصف العقل» ۳ ، داعين إيّاهم إلى التحابب والتآلف والإكثار من «قربات المحبّة» لأ نّهم أكثر فائدة في الحياة من أقارب النسب والسبب ۴ .

خطر العداوة

إنّ عنصر العداوة يقابل عنصر المحبّة و ينطوي على خطورة على المجتمع لا تضاهيها خطورة اُخرى . فالعداوة هي أكثر العناصر مرارة ، ومرارة العداوات تجعل كلّ الطيّبات مُرّة المذاق ، وتحيل كلّ النعم الإلهيّة إلى نقمات ، وتبدّل كلّ الانتصارات إلى هزائم .
ليست العداوة عائقا يحول دون تقدّم المجتمع في شتّى ميادين الحياة فحسب ، بل هي سبب يقف دون استثمار الإمكانات المتاحة ؛ ولهذا فلا مناص للمجتمع الذي يُبتلى بمثل هذه الآفة الخطيرة ، من الانحطاط والسقوط .
على هذا الأساس ، فإنّ الدين الذي يعتبر نفسه قائما على المحبّة ، يرى العداوة قضة للدين ، ومن وجهة نظر رسول ذلك الدّين إنّ شرّ النّاس من يبغض الناس ويبغضونه ۵ .

1.اُنظر ص ۱۳۵ «من تجب محبته» .

2.، و «أوّل العقل»

3.. اُنظر ص ۳۳ «قيمة المودّة» .

4.اُنظر ص ۳۵ «أقرب نسب» و «أقرب القرب» و ص ۳۷ «فضل الصَّديق والاستكثار منه» .

5.اُنظر ص ۴۷ ح ۱۰۳ و ۱۰۴ .

  • نام منبع :
    المحبّة في الكتاب و السنّة
    المساعدون :
    التقديري، محمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424 ق / 1382 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 119707
الصفحه من 456
طباعه  ارسل الي