منهج الإسلام في إيجاد التآلف والمحبّة
لأجل أن يتنعّم المجتمع بحلاوة المحبّة وبركاتها ، ويبقى مصونا من مخاطر العداوة وآفاتها ، لم يكتف الإسلام بالمواعظ والإرشادات الأخلاقيّة ، وإنّما وضع منهجا لغرض إيجاد التآلف والمحبّة وللحيلولة دون تفشّي العداوة والبغضاء .
لقد اعتبر الإسلام كلّ ما يزرع المحبّة في قلوب الناس بعضهم لبعضٍ أمرا واجبا أو مستحبّا ، وجعل كلّ ما يُفضي بهم إلى العداوة والتباغض حراما أو مكروها . وما جاء في القسم الأوّل من هذا الكتاب حول أسباب المحبّة وآدابها وحقوقها يمثّل في الحقيقة منهج الإسلام الهادف إلى خلق أواصر المحبّة بين الناس وتوطيد عُراها ، وما اُدرج فيه بشأن موانع المحبّة وعوامل البغضاء يعكس منهاج الإسلام العملي للوقاية من مخاطر العداوة .
حقّ اختيار الصديق
إنّ الإشكالات التي يمكن إثارتها في ما يخصّ بتنظيم شؤون المجتمع القائم على المحبّة ، هي: هل يبيح الإسلام للإنسان مصادقة من يشاء ؟ وهل يجيز له مدَّ جسور المحبّة حتى مع المبتلين بانحرافات عقائديّة وأخلاقيّة وعمليّة ؟ وإن لا يبيح للإنسان ذلك ، فكيف يمكن الادّعاء بأنّ الإسلام هو دين المحبّة ، وأنّ المجتمع المثالي هو ذلك المجتمع القائم على المحبّة ؟
منطق العقل والفطرة في المحبّة
للإجابة عن السؤال أعلاه نقولُ: إنّ منطق الإسلام في المحبّة والعداوة ـ كما هو الحال في سائر الاُمور ـ هو منطق العقل والفطرة ، فعقل الإنسان وفطرته يدعوانه إلى محبّة كلّ جميل ، وبغض كلّ قبيح ، والإسلام أيضا لا يقول في باب المحبّة والبغضاء سوى ذلك ، وبالقدر نفسه تُصبح محبّة الجمائل بناءةً وتقود إلى تكامل الفرد والمجتمع ، تُصبح محبّة الرذائل والقبائح خطرة مدمّرة .