291
المحبّة في الكتاب و السنّة

صَحِيحُ السَّنَد وَهُوَ مِن الأَحادِيثِ المَشهُورَةِ بَينَ الخَاصَّة وَالعَامَّة وقَد رَوُوه فِي صِحاحِهِم بِأدنى تَغيِيرٍ» . وقال في بيانه لمعنى جملة : «وإنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتّى أحِبَّهُ» :
«النوافل جميع الأعمال غير الواجبة ممّا يُفعل لوجه اللّه سبحانه ، وأمّا تخصيصها بالصلاة المندوبة فعرف طارئ ، ومعنى محبّة اللّه سبحانه للعبد توفيقه للتجافي عن دار الغرور والترقّي إلى عالم النور ، والاُنس باللّه والوحشة ممّا سواه ، وصيرورة جميع الهموم همّا واحدا . قال بعض العارفين : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك» .
وقال أيضا في بيان قوله تعالى : «فَإِذا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بِهِ ...» إلى آخر الحديث .
«لأصحاب القلوب في هذا المقام كلمات سنيّة وإشارات سرّية وتلويحات ذوقيّة تعطّر مشام الأرواح وتحيى رميم الأشباح لا يهتدي إلى معناها ولا يطّلع على مغراها إلاّ من أتعب بدنه بالرّياضات وعنّى نفسه بالمجاهدات حتّى ذاق مشربهم وعرف مطلبهم ، وأمّا من لم يفهم تلك الرموز ولم يهتد إلى هاتيك الكنوز لعكوفه على الحظوظ الدّنيّة وإنّهماكه في اللّذّات البدنيّة ، فهو عند سماع تلك الكلمات على خطر عظيم من التروّي في غياهب الإلحاد ، والوقوع في مهاوى الحلول والإتّحاد تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .
ونحن نتكلّم في هذا المقام بما يسهل تناوله على الأفهام ، فنقول : هذا مبالغة في القرب وبيان استيلاء سلطان المحبّة على ظاهر العبد وباطنه وسرّه .


المحبّة في الكتاب و السنّة
290

ما المقصود من محبّة المخلوق للخالق ؟ فإنّ اللّه سبحانه ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه ۱ .
فهناك طائفة من أهل الإيمان تعني محبّتهم للّه طاعتهم له ، وترك معصيتهم إيّاه ، وهؤلاء في الحقيقة لا يتنعّمون بنعمة المحبّة ، وعبادتهم غير قائمة على أساس المحبّة ، وإنّما على أساس الخوف والخشية ۲ ، وفي المقابل تعني محبّة اللّه لهذه الطائفة توفيق العمل الصالح في الدنيا ، وجزاؤهم في الآخرة الجنّة .
ولكن في الوقت نفسه يوجد من بين عباد اللّه ثلّة ـ وإن كانت قليلة عددا ـ تحبّ اللّه واقعا وتطيعه لا عن خوفٍ من عذابه ، ولا طمعا في جنّته ، وإنّما حبّا له وتعلّقا به . هذه الثلّة تقول في مناجاتها للّه : «سَيِّدي ... أنَا مِن حُبِّكَ ظَمآنُ لا أروى» ، وتقول أيضا : «مَا أطيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ» ، وأيضا : «يا نِعَمي وَجَنَّتي» ، وأيضا : «فَهَبني ـ يا إلهي وسَيِّدي ومَولايَ ورَبّي ـ صَبَرتُ عَلى عَذابِكَ فَكَيفَ أصبِرُ عَلى فِراقِكَ» ، وما إلى ذلك .
ومن الطبيعيّ أنّ حبّ اللّه لهذه الثلّة يتّخذ مفهوما آخر ، والمعنى والمفهوم الحقيقي لهذين النوعين من المحبّة لا يدركه إلاّ من بلغ تلك المرحلة ، وكلّ كلام يستهدف بيان المحبّة الحقيقيّة للمخلوق وتفسيرها تجاه الخالق وبالعكس يبقى ناقصا غير وافٍ بالغرض ، وأفضل بيان يعكس آثار هذه المحبّة هو ما ورد في حديث «التقرّب بالنوافل» ۳ .
قال الفقيه المحقّق الكبير الشيخ البهائي رحمه الله بشأن هذا الحديث : «وَهَذا الحَدِيث ،

1.اُنظر : ص ۳۲۱ «ميزان منزلة العبد عند اللّه » .

2.اُنظر : ص ۲۰۷ ح ۹۲۸ .

3.اُنظر : ص ۳۳۵ ح ۱۳۸۰ .

  • نام منبع :
    المحبّة في الكتاب و السنّة
    المساعدون :
    التقديري، محمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424 ق / 1382 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 117907
الصفحه من 456
طباعه  ارسل الي