وبعد أن طاف الكليني في المراكز العلميّة في إيران عزم على رحلة علميّة واسعة ، حيث رحل إلى العراق واتّخذ من بغداد قاعدة للانطلاق إلى المراكز العلميّة الاُخرى إلى أن وافاه أجله المحتوم فيها ، فقد حدّث بعد ارتحاله من بغداد إلى الكوفة عن كبار مشايخها، كأبي العبّاس الرزّاز الكوفي، وحميد بن زياد الكوفي، كما رحل إلى الشام بعد أن وقف على منابع الحديث ومشايخه في العراق ، وحدّث ببعلبك ، كما صرّح بهذا ابن عساكر الدمشقي في ترجمة ثقة الإسلام ۱ .
أسباب هجرة الكليني إلى بغداد:
لم تكن هجرة الكليني قدس سره من الريّ إلى بغداد هجرة مجهولة السبب ۲ ، ولا تأثّرا بالمنهج العقلي الذي عُرِفت به المدرسة البغداديّة ، دون مدرسة قم ، بتقريب أنّ الكليني روى في الكافي عن سهل بن زياد ـ الذي اُخرج من قم إلى الريّ ثمّ رحل إلى بغداد ـ أكثر من ألف حديث ، في حين لم يكثر عنه أرباب مدرسة قم النقليّة كالشيخ الصدوق مثلاً ؛ ولهذا اختار الكليني ـ كما يزعمون ـ بغداد دون قم! ۳ كما لم تكن هجرة الكليني إلى بغداد بدوافع سياسيّة من قبل البويهيّين، كما توهّمه صاحب كتاب الكليني والكافي ۴ ، بل كانت لاعتبارات علميّة محضة، فبغداد في عصره عاصمة للدولة الإسلاميّة ، ومركز الحضارة، وملتقى علماء المذاهب من شتّى الأمصار، ومستوطن السفراء الأربعة رضوان اللّه تعالى عليهم.
ومن ثمّ فهو لم يغادر الريّ في نعومة أظفاره ، بل غادرها بعد تجوال طويل في بلاد إيران، فكان عليه الانتقال إلى بغداد؛ لتكون منطلقه إلى مدن العراق والبلاد المجاورة كالشام والحجاز، خصوصا وأنّ العراق يمثّل مركز الثقل الأعظم لتراث أهل البيت عليهم السلام ، إذ لا يوجد في الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام إمام قط لم يدخل العراق طوعا أو كرها ، وبالتالي وجود ستّة مراقد مقدّسة لآل اللّه عليهم السلام موزّعة على ربوع أرض السواد التي تتوسّطها
۱۳.عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، رَفَعَهُ ، قَالَ :
قَالَ أَمِيرُ المُوءْمِنِينَ عليه السلام : «العَقْلُ غِطَاءٌ سَتِيرٌ ۵ ، وَالْفَضْلُ جَمَالٌ ۶ ظَاهِرٌ ، فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ ۷ بِفَضْلِكَ ، وَقَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ ، تَسْلَمْ لَكَ الْمَوَدَّةُ ، وَتَظْهَرْ لَكَ الْمَحَبَّةُ ۸ » ۹ .
۱۴.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ۱۰سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ :
1.تاريخ دمشق ، ج ۵۶ ، ص ۲۹۸ ، الرقم ۷۱۲۶.
2.الرسائل العشر ، مقدّمة التحقيق ، ص ۱۷.
3.بحوث حول روايات الكافي ، ص ۱۲ .
4.راجع : الكليني والكافي ، ص ۲۶۶ .
5.. في «ف» : «ستيرٌٍ» أي بالإضافة والتوصيف . وفي حاشية «ض ، بح»: «مستتر». وفي الوافي : «ستير ، أي ساتر للعيوب الباطنة وغافر للذنوب الإمكانيّة ، أو مستور عن الحواسّ » . وراجع أيضا : شرح المازندراني ، ج ۱ ، ص ۲۵۳ ؛ مرآة العقول ، ج ۱ ، ص ۶۵ .
6.. في مرآة العقول : «الفضل ما يعدّ من المحاسن والمحامد ، أو خصوص الإحسان إلى الخلق ، والجمال يطلق على حسن الخَلْق والخُلْق والفعل » .
7.. اختار صدر المتألّهين في شرحه ؛ والفيض في الوافي ضمّ الخاء؛ واحتمل المازندراني في شرحه الضمّ والفتح.
8.. في حاشية «بح، بع ، جم» والوافي وشرح صدر المتألّهين : «الحجّة».
9.. نهج البلاغة ، ص ۵۵۱ ، الحكمة ۴۲۴ مع اختلاف الوافي ، ج ۱ ، ص ۱۰۶ ، ح ۱۷ ؛ الوسائل ، ج ۱۵ ، ص ۲۰۷ ، ح ۲۰۲۹۲.
10.الطبعة القدیمة للکافی : ۱/۲۱