473
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

رُوِيَ: أنّ الناهين لمّا أيسوا عن اتّعاظ المعتدين، كرهوا مساكنتهم، فقسّموا القرية بجدار فيه باب مطروق، فأصبحوا يوما، ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين، فقالوا: إنّ لهم شأنا، فدخلوا عليهم، فإذا [هم] قِردَةٌ، فلم يعرفوا أنسباءهم، ولكن القُرُود تعرفهم، فجعلت تأتي أنسباءهم، وتشمّ ثيابهم، وتدور باكيةً حولهم، ثمّ ماتوا بعد ثلاث .
وعن مجاهد : «مسخت قلوبهم، لا أبدانهم» انتهى . ۱
وأقول : ظاهر هذا الخبر مناف للآية الأخيرة، فلعلّ وجه الجمع ما ذكره البيضاوي من أنّهم عذّبوا أوّلاً، ثمّ عتوا بعد ذلك، فمُسخوا قردة . فالمراد بالهلاك في هذا الخبر العذاب .
أو نقول : المراد بالهلاك مسخ قلوبهم، كما قال مجاهد .
وقيل : المراد بالهلاك مسخهم قردة ، وأيّده بما ذكر السيّد ابن طاووس في كتاب سعد السعود، قال :
رأيت في كتاب أنّهم كانوا ثلاث فرق ؛ فرقة باشرت المنكر ، وفرقة أنكرت عليهم ، وفرقة داهنت أهل المعاصي، فلم تنكر، ولم تباشر المعصية، فنجّى اللّه الذين أنكروا، وجعل الفِرقة المداهِنَة ذرّا، ومسخ الفرقة المباشرة للمنكر قردة .
ثمّ قال ابن طاووس رحمه الله : «ولعلّ مسخ المداهنة ذرّا؛ لتصغيرهم عظمة اللّه ، وتهوينهم بحرمة اللّه ، فصغّرهم اللّه » انتهى . ۲
فليتأمّل جدّا .

متن الحديث الثاني والخمسين والمائة

۰.عَنْهُ۳، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ:كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِلَى الشِّيعَةِ: «لَيَعْطِفَنَّ ذَوُو السِّنِّ مِنْكُمْ وَالنُّهى عَلى ۴ ذَوِي الْجَهْلِ وَطُلَابِ الرِّئَاسَةِ، أَوْ لَتُصِيبَنَّكُمْ لَعْنَتِي أَجْمَعِينَ».

1.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۶۸ و ۶۹ .

2.سعد السعود ، ص ۱۱۹ (مع اختلاف يسير في اللفظ) . والناقل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۱۸ و ۱۹ .

3.رجوع الضمير إلى «سهل» أمر واضح .

4.في الحاشية عن بعض النسخ: «عن».


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
472

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى: «فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ» 1 ، قَالَ:«كَانُوا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ ائْتَمَرُوا، وَأَمَرُوا، فَنَجَوْا. وَصِنْفٌ ائْتَمَرُوا، وَلَمْ يَأْمُرُوا، فَمُسِخُوا ذَرّا. وَصِنْفٌ لَمْ يَأْتَمِرُوا، وَلَمْ يَأْمُرُوا، فَهَلَكُوا».

شرح

السند ضعيف .
قوله : (ائتمروا، وأمروا) .
الائتمار: قبول الأمر، والامتثال به ؛ يعني أنّهم امتثلوا بفعل الأوامر، وترك النواهي، وأمروا غيرهم أيضا بهما .
وقوله : (فمُسخوا ذَرّا) .
في النهاية : «الذرّ: النمل الصغير الأحمر، واحدتها: ذرّة» . ۲
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ هذه الآية وما قبلها وما بعدها في سورة الأعراف هكذا : «وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابا شَدِيدا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ»۳ .
قال البيضاوي :
«فَلَمَّا نَسُوا» أي تركوه ترك الناسي. «مَا ذُكِّرُوا بِهِ» أي ما ذكّر صلحاؤهم . «أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا» بالاعتداء، ومخالفة أمر اللّه تعالى «بِعَذَابٍ بَئِيسٍ» شديد .
ثمّ قال :
الظاهر يقتضي أنّ اللّه تعالى عذّبهم أوّلاً بعذاب شديد، فعتوا بعد ذلك، فمسخهم . ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلاً للآية الاُولى .

1.الأعراف (۷) : ۱۶۵ .

2.النهاية ، ج ۳ ، ص ۱۵۷ (ذرر) مع اختلاف يسير في اللفظ .

3.الأعراف (۷) : ۱۶۳ - ۱۶۶ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 153415
صفحه از 624
پرینت  ارسال به