القِبلَة - الصفحه 7

من جهة أنّه اجتماع - لا يشكّ في أنّ هذا الاجتماع إنّما كوّنته ثمّ شعّبته وبَسَطته إلى‏ شُعَبه وأطرافه الطبيعة الإنسانية ، لِما استشعرت بإلهام من اللَّه سبحانه بجهات حاجتها في البقاء والاستكمال إلى‏ أفعال اجتماعيّة ، فتلتجئ إلى الاجتماع وتلزمها لتوفّق إلى‏ أفعالها وحركاتها وسكناتها في مهد تربية الاجتماع وبمعونته . ثمّ استشعرت وألهمت بعلوم (صور ذهنيّة) وإدراكات توقعها على المادّة ، وعلى‏ حوائجها فيها وعلى أفعالها ، وجهات أفعالها تكون هي الوصلة والرابطة بينها وبين أفعالها وحوائجها كاعتقاد الحُسن والقُبح ، وما يجب ، وما ينبغي، وسائر الاُصول الاجتماعيّة ، من الرئاسة والمرئوسيّة والملك والاختصاص، والمعاملات المشتركة والمختصّة ، وسائر القواعد والنواميس العموميّة والآداب والرسوم القوميّة التي لا تخلو عن التحوّل والاختلاف باختلاف الأقوام والمناطق والأعصار. فجميع هذه المعاني والقواعد المستقرّة عليها من صُنع الطبيعة الإنسانيّة بإلهام من اللَّه سبحانه ، تلطّفت بها طبيعة الإنسان لتمثّل بها ما تعتقدها وتريدها من المعاني في الخارج ، ثمّ تتحرّك إليها بالعمل والفعل والترك والاستكمال .
والتوجّه العباديّ إلى اللَّه سبحانه ، وهو المنزَّه عن شؤون المادّة ، والمقدَّس عن تعلّق الحسّ الماديّ إذا اُريد أن يتجاوز حدَّ القلب والضمير، وتنزل على‏ موطن الأفعال - وهي لا تدور إلّا بين المادّيات - لم يكن في ذلك بدّ ومَخلَص من أن يكون على‏ سبيل التمثيل بأن يلاحظ التوجّهات القلبيّة على اختلاف خصوصيّاتها ، ثمّ تمثّل في الفعل بما يناسبها من هيئات الأفعال وأشكالها ، كالسجدة يراد بها التذلّل ، والركوع يراد به التعظيم ، والطواف يراد به تفدية النفس ، والقيام يراد به التكبير ، والوضوء والغسل يراد بهما الطهارة للحضور ، ونحو ذلك . ولا شكّ أنّ التوجّه إلى المعبود ، واستقباله من العبد في عبوديّته روح عبادته ،

الصفحه من 14