التي لولاها لم يكن لها حياة ولا كينونة ، وإلى تمثيله تحتاج العبادة في كمالها وثباتها واستقرار تحقّقها .
وقد كانت الوثنيّون وعَبدَة الكواكب وسائر الأجسام من الإنسان وغيره يستقبلون معبوداتهم وآلهتهم ، ويتوجّهون إليهم بالأبدان في أمكنة متقاربة .
لكن دين الأنبياء ونخصّ بالذكر من بينها دين الإسلام الذي يصدّقها جميعاً وضعَ الكعبة قِبلةً ، وأمر باستقبالها في الصلاة ، التي لا يُعذَر فيها مسلم ، أينما كان من أقطار الأرض وآفاقها ، ونهى عن استقبالها واستدبارها في حالات ، ونَدَب إلى ذلك في اُخرى ، فاحتفظ على قلب الإنسان بالتوجّه إلى بيت اللَّه ، وأن لا ينسى ربّه في خلوته وجلوته ، وقيامه وقعوده ، ومنامه ويقظته ، ونُسكه وعبادته حتّى في أخسّ حالاته وأردأها ، فهذا بالنظر إلى الفرد .
وأمّا بالنظر إلى الاجتماع فالأمر أعجب والأثر أجلى وأوقع ؛ فقد جَمعَ الناسَ على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم على التوجّه إلى نقطة واحدة ، يمثّل بذلك وحدتهم الفكريّة وارتباط جامعتهم ، والتئام قلوبهم . وهذا ألطف روح يمكن أن تنفذ في جميع شؤون الأفراد في حيويّتها المادّيّة والمعنويّة ، تعطي من الاجتماع أرقاه ، ومن الوحدة أوفاها وأقواها ، خصّ اللَّه تعالى بها عباده المسلمين ، وحفظ به وحدة دينهم ، وشوكة جمعهم ، حتّى بعد أن تحزّبوا أحزاباً ، وافترقوا مذاهب وطرائق قِدداً ، لا يجتمع منهم اثنان على رأي، نشكر اللَّه تعالى على آلائه.۱
بحث تاريخيّ :
من المتواتر المقطوع به أنّ الذي بنى الكعبة إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان القاطنون حولها يومئذ ابنه إسماعيل وجُرهُم۲
1.الميزان في تفسير القرآن : ۱/۳۳۷ .
2.جُرْهُم : حيّ من اليمن نزلوا مكّة وتزوّج فيهم إسماعيل بن إبراهيمعليهما السلام، وهم أصهاره ، ثمّ ألحدوا في الحرم فأبادهم اللَّه تعالى . (لسان العرب : ۱۲/۹۷) .