القضاء والقدر - الصفحه 11

فإذا تمّت عللها الموجبة لها وكملت ما تتوقّف عليه من الشرائط وارتفاع الموانع ولم يبق لها إلّا أن تتحقّق خرجت من التردّد والإبهام ، وتعيّن لها أحد الطرفين ، وهو التحقّق أو عدم التحقّق ، إن فرض انعدام شي‏ء ممّا يتوقف عليه وجودها ، ولا يفارق تعيّن التّحقّق نفس التحقّق .
والاعتباران جاريان في أفعالنا الخارجيّة ، فما لم نشرف على إيقاع فعل من الأفعال كان متردّداً بين أن يقع أو لا يقع ، فإذا اجتمعت الأسباب والأوضاع المقتضية وأتممناها بالإرادة والإجماع بحيث لم يبق له إلّا الوقوع والصدور عيّنا له أحد الجانبين ، فتعيّن له الوقوع .
وكذا يجري نظير الاعتبارين في أعمالنا الوضعية الاعتبارية ، كما إذا تنازع اثنان في عين يدّعيه كلّ منهما لنفسه كان أمر مملوكيّته مردّداً بين أن يكون لهذا أو لذاك ، فإذا رجعا إلى حكم يحكم بينهما فحكم لأحدهما دون الآخر كان فيه فصل الأمر عن الإبهام والتردّد وتعيين أحدالجانبين بقطع رابطته مع الآخر .
ثمّ توسّع فيه ثانياً ، فجعل الفصل والتعيين بحسب القول كالفصل والتعيين بحسب الفعل ، فقول الحكم : إنّ المال لأحد المتنازعين فصل للخصومة وتعيين لأحد الجانبين بعد التردّد بينهما ، وقول المخبر : إن كذا كذا فصل وتعيين ، وهذا المعنى‏ هو الذي نسمّيه القضاء .
ولمّا كانت الحوادث في وجودها وتحقّقها مستندة إليه سبحانه وهي فعله جرى‏ فيها الاعتباران بعينهما ؛ فهي ما لم يُرِد اللَّه تحقّقها ولم يُتِمّ لها العللَ والشرائط الموجبة لوجودها باقية على‏ حال التردّد بين الوقوع واللاوقوع ، فإذا شاء اللَّه وقوعها وأراد تحقّقها فتمّ لها عللها وعامّة شرائطها ولم يبق لها إلّا أن توجد ، كان ذلك تعييناً منه تعالى وفصلا لها من الجانب الآخر وقطعاً للإبهام، ويسمّى‏ قضاء من اللَّه.

الصفحه من 20