القضاء والقدر - الصفحه 7

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام عَدَلَ من عندِ حائطٍ مائلٍ إلى‏ مكانٍ آخرَ ، فقيلَ لَهُ : يا أميرَ المؤمنينَ ، تَفِرُّ مِن قَضاءِ اللَّهِ؟ ! فقالَ عليه السلام أفِرُّ مِن قَضاءِ اللَّهِ إلى‏ قَدَرِ اللَّهِ . وسئلَ الصّادقُ عليه السلام عنِ الرُّقى‏ : هَل تَدفَعُ مِن القَدَرِ شَيئاً ؟ فقالَ : هِي مِن القَدَرِ» .
وقال الشيخ المفيد رحمة اللَّه عليه في شرح هذا الكلام : «عمل أبو جعفر في هذا الباب على‏ أحاديث شواذّ لها وجوه تعرفها العلماء متى‏ صحّت وثبت إسنادها ، ولم يقل فيه قولاً محصّلاً ، وقد كان ينبغي له لمّا لم يعرف للقضاء معنى‏ أن يهمل الكلام فيه . والقضاء معروف في اللغة ، وعليه شواهد من القرآن ، فالقضاء على‏ أربعة أضراب : أحدها الخَلق ، والثاني الأمر ، والثالث الإعلام ، والرابع القضاء بالحُكم . فأمّا شاهد الأول فقوله تعالى‏ : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ)۱ ، وأمّا الثاني فقوله تعالى‏ : (وقَضى‏ رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلَّا إيّاه)۲ ، وأمّا الثالث فقوله تعالى‏ : (وقَضَيْنا إلى‏ بَني إسْرائيلَ)۳ ، وأمّا الرابع فقوله : (واللَّهُ يَقْضِي بالحَقِّ)۴ يعني يفصل بالحكم بالحقّ بين الخلق ، وقوله : (وقُضِيَ بَينَهُم بالحَقِّ)۵.وقد قيل : إنّ للقضاء معنىً خامساً وهو الفَراغ من الأمر ، واستشهد على‏ ذلك بقول يوسف عليه السلام : (قُضِيَ الأَمرُ الّذي فيهِ تَستَفْتِيانِ)۶يعني فُرِغ منه ، وهذا يرجع إلى‏ معنَى الخلق .
وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المُجبّرة : إنّ اللَّه تعالى‏ قضى‏ بالمعصية على‏ خلقه ؛ لأ نّه لا يخلو إمّا أن يكونوا يريدون به أنّ اللَّه خلق العصيان في خلقه ، فكان يجب أن يقولوا : قضى‏ في خلقه بالعصيان ، ولا يقولوا قضى‏ عليهم ، لأنّ الخلق فيهم لا عليهم ، مع أنّ اللَّه تعالى‏ قد أكذَبَ من زعم أ نّه خلقَ المعاصي بقوله سبحانه : (الّذي أحْسَنَ كُلَّ شي‏ءٍ خَلَقَهُ)۷ كما مرّ .

1.فصّلت : ۱۲ .

2.الإسراء : ۲۳ .

3.الإسراء : ۴ .

4.غافر : ۲۰ .

5.الزمر : ۶۹ .

6.يوسف : ۴۱ .

7.السجدة : ۷ .

الصفحه من 20