وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام عَدَلَ من عندِ حائطٍ مائلٍ إلى مكانٍ آخرَ ، فقيلَ لَهُ : يا أميرَ المؤمنينَ ، تَفِرُّ مِن قَضاءِ اللَّهِ؟ ! فقالَ عليه السلام أفِرُّ مِن قَضاءِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ . وسئلَ الصّادقُ عليه السلام عنِ الرُّقى : هَل تَدفَعُ مِن القَدَرِ شَيئاً ؟ فقالَ : هِي مِن القَدَرِ» .
وقال الشيخ المفيد رحمة اللَّه عليه في شرح هذا الكلام : «عمل أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذّ لها وجوه تعرفها العلماء متى صحّت وثبت إسنادها ، ولم يقل فيه قولاً محصّلاً ، وقد كان ينبغي له لمّا لم يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه . والقضاء معروف في اللغة ، وعليه شواهد من القرآن ، فالقضاء على أربعة أضراب : أحدها الخَلق ، والثاني الأمر ، والثالث الإعلام ، والرابع القضاء بالحُكم . فأمّا شاهد الأول فقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ)۱ ، وأمّا الثاني فقوله تعالى : (وقَضى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلَّا إيّاه)۲ ، وأمّا الثالث فقوله تعالى : (وقَضَيْنا إلى بَني إسْرائيلَ)۳ ، وأمّا الرابع فقوله : (واللَّهُ يَقْضِي بالحَقِّ)۴ يعني يفصل بالحكم بالحقّ بين الخلق ، وقوله : (وقُضِيَ بَينَهُم بالحَقِّ)۵.وقد قيل : إنّ للقضاء معنىً خامساً وهو الفَراغ من الأمر ، واستشهد على ذلك بقول يوسف عليه السلام : (قُضِيَ الأَمرُ الّذي فيهِ تَستَفْتِيانِ)۶يعني فُرِغ منه ، وهذا يرجع إلى معنَى الخلق .
وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المُجبّرة : إنّ اللَّه تعالى قضى بالمعصية على خلقه ؛ لأ نّه لا يخلو إمّا أن يكونوا يريدون به أنّ اللَّه خلق العصيان في خلقه ، فكان يجب أن يقولوا : قضى في خلقه بالعصيان ، ولا يقولوا قضى عليهم ، لأنّ الخلق فيهم لا عليهم ، مع أنّ اللَّه تعالى قد أكذَبَ من زعم أ نّه خلقَ المعاصي بقوله سبحانه : (الّذي أحْسَنَ كُلَّ شيءٍ خَلَقَهُ)۷ كما مرّ .