القضاء والقدر - الصفحه 9

الإمساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم يكن النهي عنه عامّاً لكافّة المكلّفين ، وقد يصلح بعض الناس بشي‏ء يفسد به آخرون ، ويفسد بعضهم بشي‏ء يصلح به آخرون ، فدبّر الأئمّة عليهم السلام أشياعهم في الدِّين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه .
والوجه الآخر : أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق اللَّه تعالى وعن علله وأسبابه وعمّا أمر به وتعبّد ، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والأمر محظوراً ، لأنّ اللَّه تعالى‏ سترها من أكثر خلقه ، ألا ترى‏ أ نّه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللاً مفصّلات ، فيقول : لِمَ خَلَق كذا وكذا ؟ حتّى‏ يعدّ المخلوقات كلّها ويحصيها ، ولا يجوز أن يقول : لم أمر بكذا وتعبّد بكذا ونهى‏ عن كذا ؟ إذ تعبّده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق ، ولم يطلع أحداً من خلقه على‏ تفصيل ما خلق وأمر به وتعبّد ، وإن كان قد أعلم في الجملة أ نّه لم يخلق الخلق عبثاً ، وإنّما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودلّ على‏ ذلك بالعقل والسّمع ، فقال سبحانه : (وما خَلَقْنا السَّماءَ والأَرضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ)۱ وقال : (أفَحَسِبْتُم أ نّما خَلَقناكُم عَبَثاً)۲وقال : (إنّا كُلَّ شَي‏ءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ)۳ يعني بحقّ ووضعناه في موضعه ، وقال : (وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إلّا لِيَعبُدونِ)۴ وقال فيما تعبّد : (لَن يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤها ولكِن يَنالُهُ التَّقوى‏ مِنكُم)۵.
وقد يصحّ أن يكون تعالى‏ خلق حيواناً بعينه لعلمه تعالى‏ بأ نَّه يؤمن عند خلقه كفّار ، أو يتوب عند ذلك فسّاق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتّعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء ، وذلك يغيب عنّا ، وإن قطعنا في الجملة أنّ جميع ما صنع اللَّه تعالى‏ إنّما صنعه لأغراض حكميّة ، ولم يصنعه عبثاً ، وكذلك

1.الأنبياء : ۱۶ .

2.المؤمنون : ۱۱۵ .

3.القمر : ۴۹ .

4.الذاريات : ۵۶ .

5.الحجّ : ۳۷ .

الصفحه من 20