أمّا مِن حَيثُ (أنّهُم) استَوَوا فإنَّ اللَّهَ قد ذَمَّ عَوامَّنا بتَقليدِهِم عُلَماءَهُم كما ذَمَّ عَوامَّهُم ، وأمّا مِن حَيثُ (أ نّهُمُ) افتَرَقُوا فلا .
قالَ : بَيِّنْ لي يابنَ رسولِ اللَّهِ . قالَ عليه السلام : إنَّ عَوامَّ اليَهودِ كانوا قد عَرَفُوا عُلَماءَهُم بالكَذِبِ الصُّراحِ ، وبأكلِ الحَرامِ والرّشاءِ ، وبتَغييرِ الأحكامِ عن واجِبِها بالشَّفاعاتِ والعِناياتِ والمُصانَعاتِ ، وعَرَفُوهُم بالتَّعَصُّبِ الشَّديدِ الذي يُفارِقُونَ بهِ أديانَهُم ، وأنّهُم إذا تَعَصَّبوا أزالُوا حُقوقَ مَن تَعَصَّبوا علَيهِ وأعطَوا ما لا يَستَحِقُّهُ مَن تَعَصَّبوا له مِن أموالِ غيرِهِم ، وظَلَمُوهُم مِن أجلِهِم، وعَرَفُوهُم يُقارِفُونَ المُحَرّماتِ ، واضطُرُّوا بمَعارِفِ قُلوبِهِم إلى أنَّ مَن فَعَلَ ما يَفعَلُونَهُ فهُو فاسِقٌ لا يَجوزُ أن يَصدُقَ علَى اللَّهِ ولا علَى الوَسائطِ بينَ الخَلقِ وبينَ اللَّهِ، فلذلكَ ذَمَّهُم لَمّا قَلَّدُوا مَن قد عَرَفوهُ ، ومَن قد عَلِموا أنّهُ لا يَجوزُ قَبولُ خَبَرِهِ ولا تَصديقُهُ في حِكايَتِهِ ...
وكذلكَ عَوامُّ اُمَّتِنا إذا عَرَفُوا مِن فُقَهائهِمُ الفِسقَ الظاهِرَ والعَصَبيَّةَ الشَّديدَةَ والتَّكالُبَ على حُطامِ الدنيا وحَرامِها... فَمَن قَلَّدَ مِن عَوامِّنا مِثلَ هؤلاءِ الفُقَهاءِ فَهُم مِثلُ اليَهودِ الذينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بالتَّقليدِ لِفَسَقَةِ فُقَهائهِم .
فَأمّا مَن كانَ مِن الفُقَهاءِ صائناً لنفسِهِ حافِظاً لِدينِهِ مُخالِفاً على هَواهُ مُطِيعاً لأمرِ مَولاهُ فلِلعَوامِّ أن يُقَلِّدُوهُ ، وذلكَ لا يكونُ إلّا بَعضَ فُقَهاءِ الشِّيعَةِ لا جَميعَهُم .۱
بحث عِلميّ وأخلاقيّ :
أكثر الاُمم الماضية قصّةً في القرآن اُمّة بني إسرائيل ، وأكثر الأنبياء ذِكراً فيه موسَى بن عمران عليه السلام ، فقد ذُكر اسمه في القرآن في مائةٍ وستّة وثلاثين موضعاً ضِعفَ ما ذُكر إبراهيم عليه السلام الذي هو أكثر الأنبياء ذِكراً بعد موسى ، فقد ذُكر في تسعة وستين موضعاً على ما قيل فيهما . والوجه الظاهر فيه أنّ الإسلام هو الدين الحنيف المَبنيُّ علَى