التوحيد الذي أسّس أساسه إبراهيم عليه السلام وأتمّه اللَّه سبحانه وأكمله لنبيّه محمّد صلى اللَّه عليه وآله ، قال تعالى : (مِلّةَ أبيكُم إبراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ)۱ ، وبنو إسرائيل أكثر الاُمم لجاجاً وخصاماً ، وأبعدهم من الانقياد للحقِّ ، كما أنّه كان كفّار العرب الذين ابتُليَ بهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على هذه الصفة ، فقد آل الأمر إلى أن نزل فيهم : (إنّ الّذينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيهِمْ ءَأنْذَرتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنُونَ)۲.
ولا ترى رذيلةً من رذائل بني إسرائيل في قسوتهم وجفوتهم ممّا ذكره القرآن إلّا وهو موجود فيهم . وكيف كان ، فأنت إذا تأمّلت قصص بني إسرائيل المذكورة في القرآن وأمعنت فيها وما فيها من أسرار أخلاقهم وجدت أنّهم كانوا قوماً غائرين في المادّة مكبّين على ما يعطيه الحسُّ من لذائذ الحياة الصُّوَريّة ، فقد كانت هذه الاُمّة لا تؤمن بما وراء الحسّ ، ولا تنقاد إلّا إلَى اللّذّة والكمال المادّيّ ، وهم اليوم كذلك . وهذا الشأن هو الذي صيّر عقلهم وإرادتهم تحت انقياد الحسّ والمادّة ، لا يعقلون إلّا ما يجوّزانه ، ولا يريدون إلّا ما يرخّصان لهم ذلك ، فانقياد الحسّ يوجب لهم أن لا يقبلوا قولاً إلّا إذا دلّ عليه الحسّ وإن كان حقّاً ، وانقياد المادّة اقتضى فيهم أن يقبلوا كلّ ما يريده أو يستحسنه لهم كبراؤهم ممّن اُوتي جمال المادّة وزُخرُف الحياة وإن لم يكن حقّاً ، فأنتج ذلك فيهم التناقضَ قولاً وفعلاً ، فهم يذمّون كلّ اتّباع باسم أنّه تقليد وإن كان ممّا ينبغي ، إذا كان بعيداً من حسّهم ، ويمدحون كلّ اتّباع باسم أنّه حظّ الحياة ، وإن كان ممّا لا ينبغي إذا كان ملائماً لهوساتهم المادّيّة ، وقد ساعدهم على ذلك وأعانهم عليه مكثهم الممتدّ وقطونهم الطويل بمصر تحت استذلال المصريّين واسترقاقهم وتعذيبهم ، يسومونهم سوء العذاب ،