التَّقليد - الصفحه 7

التوحيد الذي أسّس أساسه إبراهيم عليه السلام وأتمّه اللَّه سبحانه وأكمله لنبيّه محمّد صلى اللَّه عليه وآله ، قال تعالى‏ : (مِلّةَ أبيكُم إبراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ)۱ ، وبنو إسرائيل أكثر الاُمم لجاجاً وخصاماً ، وأبعدهم من الانقياد للحقِّ ، كما أنّه كان كفّار العرب الذين ابتُليَ بهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على‏ هذه الصفة ، فقد آل الأمر إلى‏ أن نزل فيهم : (إنّ الّذينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيهِمْ ءَأنْذَرتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنُونَ)۲.
ولا ترى‏ رذيلةً من رذائل بني إسرائيل في قسوتهم وجفوتهم ممّا ذكره القرآن إلّا وهو موجود فيهم . وكيف كان ، فأنت إذا تأمّلت قصص بني إسرائيل المذكورة في القرآن وأمعنت فيها وما فيها من أسرار أخلاقهم وجدت أنّهم كانوا قوماً غائرين في المادّة مكبّين على‏ ما يعطيه الحسُّ من لذائذ الحياة الصُّوَريّة ، فقد كانت هذه الاُمّة لا تؤمن بما وراء الحسّ ، ولا تنقاد إلّا إلَى اللّذّة والكمال المادّيّ ، وهم اليوم كذلك . وهذا الشأن هو الذي صيّر عقلهم وإرادتهم تحت انقياد الحسّ والمادّة ، لا يعقلون إلّا ما يجوّزانه ، ولا يريدون إلّا ما يرخّصان لهم ذلك ، فانقياد الحسّ يوجب لهم أن لا يقبلوا قولاً إلّا إذا دلّ عليه الحسّ وإن كان حقّاً ، وانقياد المادّة اقتضى‏ فيهم أن يقبلوا كلّ ما يريده أو يستحسنه لهم كبراؤهم ممّن اُوتي جمال المادّة وزُخرُف الحياة وإن لم يكن حقّاً ، فأنتج ذلك فيهم التناقضَ قولاً وفعلاً ، فهم يذمّون كلّ اتّباع باسم أنّه تقليد وإن كان ممّا ينبغي ، إذا كان بعيداً من حسّهم ، ويمدحون كلّ اتّباع باسم أنّه حظّ الحياة ، وإن كان ممّا لا ينبغي إذا كان ملائماً لهوساتهم المادّيّة ، وقد ساعدهم على‏ ذلك وأعانهم عليه مكثهم الممتدّ وقطونهم الطويل بمصر تحت استذلال المصريّين واسترقاقهم وتعذيبهم ، يسومونهم سوء العذاب ،

1.الحجّ : ۷۸ .

2.البقرة : ۶ .

الصفحه من 10