ويذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وفي ذلك بلاءٌ من ربّهم عظيم .
وبالجملة ، فكانوا لذلك صعبة الانقياد لما يأمرهم به أنبياؤهم والربّانيّون من علمائهم ممّا فيه صلاح معاشهم ومعادهم (تذكر في ذلك مواقفهم مع موسى وغيره) وسريعة اللحوق إلى ما يدعوهم المغرضون والمستكبرون منهم .
وقد ابتُلِيَت الحقيقة والحقُّ اليوم بمثل هذه البليّة بالمدنيّة المادّيّة التي أتحفها إليها عالم الغرب ، فهي مبنيّة القاعدة علَى الحسّ والمادّة ، فلا يقبل دليلٌ فيما بَعُد عن الحسّ ولا يسأل عن دليلٍ فيما تضمّن لذّةً مادّيّةً حسّيّةً ، فأوجب ذلك إبطال الغريزة الإنسانيّة في أحكامها ، وارتحال المعارف العالية والأخلاق الفاضلة من بيننا ، فصار يهدّد الإنسانيّة بالانهدام ، وجامعة البشر بأشدّ الفساد ، وليعلمنّ نبأه بعد حين .
واستيفاء البحث في الأخلاق ينتج خلاف ذلك ، فما كلّ دليل بمطلوب ، وما كلّ تقليد بمذمومٍ . بيان ذلك : أنّ النوع الإنسانيّ بما أنّه إنسان إنّما يسير إلى كماله الحيويّ بأفعاله الإراديّة المتوقّفة علَى الفكر ، والإرادة منه مستحيلة التحقّق إلّا عن فكر ، فالفكر هو الأساس الوحيد الذي يبتنى عليه الكمال الوجوديّ الضروريّ ، فلابدّ للإنسان من تصديقات عمليّة أو نظريّة يرتبط بها كماله الوجوديّ ارتباطاً بلا واسطةٍ أو بواسطة ، وهي القضايا التي نعلّل بها أفعالنا الفرديّة أو الاجتماعيّة أو نحضرها في أذهاننا ، ثمّ نحصّلها في الخارج بأفعالنا ، هذا .
ثمّ إنّ في غريزة الإنسان أن يبحث عن علل ما يجده من الحوادث أو يهاجم إلى ذهنه من المعلومات ، فلا يصدر عنه فعل يريد به إيجاد ما حضر في ذهنه في الخارج إلّا إذا حضر في ذهنه عِلّته الموجبة ، ولا يقبل تصديقاً نظريّاً إلّا إذا اتّكأ علَى التصديق بعلّته