التَّقليد - الصفحه 8

ويذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وفي ذلك بلاءٌ من ربّهم عظيم .
وبالجملة ، فكانوا لذلك صعبة الانقياد لما يأمرهم به أنبياؤهم والربّانيّون من علمائهم ممّا فيه صلاح معاشهم ومعادهم (تذكر في ذلك مواقفهم مع موسى‏ وغيره) وسريعة اللحوق إلى‏ ما يدعوهم المغرضون والمستكبرون منهم .
وقد ابتُلِيَت الحقيقة والحقُّ اليوم بمثل هذه البليّة بالمدنيّة المادّيّة التي أتحفها إليها عالم الغرب ، فهي مبنيّة القاعدة علَى الحسّ والمادّة ، فلا يقبل دليلٌ فيما بَعُد عن الحسّ ولا يسأل عن دليلٍ فيما تضمّن لذّةً مادّيّةً حسّيّةً ، فأوجب ذلك إبطال الغريزة الإنسانيّة في أحكامها ، وارتحال المعارف العالية والأخلاق الفاضلة من بيننا ، فصار يهدّد الإنسانيّة بالانهدام ، وجامعة البشر بأشدّ الفساد ، وليعلمنّ نبأه بعد حين .
واستيفاء البحث في الأخلاق ينتج خلاف ذلك ، فما كلّ دليل بمطلوب ، وما كلّ تقليد بمذمومٍ . بيان ذلك : أنّ النوع الإنسانيّ بما أنّه إنسان إنّما يسير إلى‏ كماله الحيويّ بأفعاله الإراديّة المتوقّفة علَى الفكر ، والإرادة منه مستحيلة التحقّق إلّا عن فكر ، فالفكر هو الأساس الوحيد الذي يبتنى عليه الكمال الوجوديّ الضروريّ ، فلابدّ للإنسان من تصديقات عمليّة أو نظريّة يرتبط بها كماله الوجوديّ ارتباطاً بلا واسطةٍ أو بواسطة ، وهي القضايا التي نعلّل بها أفعالنا الفرديّة أو الاجتماعيّة أو نحضرها في أذهاننا ، ثمّ نحصّلها في الخارج بأفعالنا ، هذا .
ثمّ إنّ في غريزة الإنسان أن يبحث عن علل ما يجده من الحوادث أو يهاجم إلى‏ ذهنه من المعلومات ، فلا يصدر عنه فعل يريد به إيجاد ما حضر في ذهنه في الخارج إلّا إذا حضر في ذهنه عِلّته الموجبة ، ولا يقبل تصديقاً نظريّاً إلّا إذا اتّكأ علَى التصديق بعلّته

الصفحه من 10