التَّقليد - الصفحه 9

بنحوٍ ، وهذا شأنُ الإنسان لا يتخطّاه البتّة . ولو عثرنا في موارد على‏ ما يلوح منه خلاف ذلك فبالتأمّل والإمعان تنحلّ الشبهة ، ويظهر البحث عن العلّة ، والركون والطمأنينة إليها فطريّ ، والفطرة لا تختلف ولا يتخلّف فعلها ، وهذا يؤدّي الإنسان إلى‏ ما فوق طاقته من العمل الفكريّ والفعل المتفرّع عليه لسعة الاحتياج الطبيعيّ ، بحيث لا يقدر الإنسان الواحد إلى‏ رفعه معتمداً على‏ نفسه ومتّكئاً إلى‏ قوّة طبيعته الشخصيّة ، فاحتالت الفطرة إلى‏ بَعْثه نحو الاجتماع وهو المدنيّة والحضارة ، ووزّعت أبواب الحاجة الحيويّة بين أفراد الاجتماع ، ووكّل بكلّ باب من أبوابها طائفةً كأعضاء الحيوان في تكاليفها المختلفة المجتمعة فائدتها وعائدتها في نفسه . ولا تزال الحوائج الإنسانيّة تزداد كمّيّة واتّساعاً ، وتنشعب الفنون والصناعات والعلوم ، ويتربّى‏ عند ذلك الأخصّائيّون من العلماء والصُّنّاع ، فكثيرٌ من العلوم والصناعات كانت علماً أو صَنعةً واحدةً يقوم بأمرها الواحد من الناس ، واليوم نرى كلّ بابٍ من أبوابه علماً أو علوماً أو صنعةً أو صنائع، كالطبّ المعدود قديماً فنّاً واحداً من فروع الطبيعيّات وهو اليوم فنونٌ لا يقوم الواحد من العلماء الأخصّائيّين بأزيد من أمر فنّ واحدٍ منها .
وهذا يدعو الإنسان بالإلهام الفطريّ أن يستقلّ بما يخصّه من الشغل الإنسانيّ في البحث عن علّته ويتّبع في غيره من يعتمد على‏ خبرته ومهارته .
فبناء العقلاء من أفراد الاجتماع علَى الرجوع إلى‏ أهل الخبرة ، وحقيقة هذا الاتّباع والتقليد المصطلح الركون إلَى الدليل الإجماليّ فيما ليس في وسع الإنسان أن ينال دليل تفاصيله ، كما أنّه مفطور علَى الاستقلال بالبحث عن دليله التفصيليّ فيما يسعه أن ينال تفصيل علّته ودليله . ومِلاك الأمر كلّه

الصفحه من 10