التقيّة في القرآن و السنّة بين السائل و المجيب - الصفحه 47

الأقلّ قيمةً ، وبذلك تدفع عن نفسك الضرر الأكثر ولاتخسر الأغلى ثمناً ، ولذا قال الإمام فخرالدين الرازي في تفسير ما جرى بين النبيّ موسى والخضر(عليهما السلام)في سورة الكهف: عند تعارض الضررين يجب تحمّل الأدنى لدفع الأعلى ، فهذا هو الأصل المعتبر في المسائل الثلاثة ۱  .
وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ في الشرع الإسلامي تؤكّد اعتبار هذا الأصل: فالصلاة عمود الدين ، ولا يضاهيها أيّ عمل في الأهميّة والأولويّة ، فلو كنت مشتغلاً بالصلاة ، ووجدتَ أنّ طفلا صغيراً على شرف أن يقع في البئر ، وليس هناك أحد سواك لإنقاذ الطفل من الهلكة ، فالشرعُ ههنا يطلبُ منك أن تقطعَ صلاتك ، وتجتهدَ لإنقاذ الطفل من الوقوع في البئر ، وإن لم تفعل هذا فصلاتُك لاتقبل ، وأنتَ تكون مسؤولا عن حياة الطفل .
فالآن نفرضُ أنّ الكفّار مجتمعون لقتل مسلم بري ، لا لأنّه ارتكب جريمة ، بل بسبب أنّه مسلمٌ ، فيختفي المسلم ، وأنت عارف بمحلّ اختفائه ، والكفّار يسألونك: هل تعلم أين ذهب الرجل ؟
فأنت ترى نفسك بين محذورين: إمّا أن تقول: «لاأعلم» وبمجرد هذا القول تكون قد اقترفت سيّئةً وهي الكذب .
أو تقول: «نعم ، هو في المحلّ الفلاني» وبذلك تتعاون معهم في قتل المسلم البري!
فالعقل يقضي ـ والشرع يوافقه ـ بأنّ قبح الكذب في هذه الحالة أهون بكثير من إثم الصدق الذي ينجرّ إلى قتل بريء .
والفرق الإسلاميّة مجتمعون على أنّ التقيّة في مثل هذه الصورة واجبةٌ قطعاً .
انظروا ماذا يقول الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: «وقد اتّفق

1.الإمام الرازي ـ تفسير مفاتيح الغيب ـ الطبعة القديمة ـ ج۵ ـ ص۷۵۰ ـ ۷۴۶ .

الصفحه من 63