التقيّة في القرآن و السنّة بين السائل و المجيب - الصفحه 56

مِن الْكَافِرِينَ1 ـ 2  .
وإذا نظرنا في تاريخ الإسلام الى حوادث السنوات الأُولى ، فإنا نرى النبيّ(صلى الله عليه وآله)قد أخفى دعوته وكتم رسالته إلاّ عن خواصّه مدّة ثلاث سنوات ، حتّى نزلت الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ3  .
وكذلك نرى عمّار بن ياسر رضي الله عنهما كيف اضطرّ إلى التقيّة .
وكلّ ذلك كان في أيّام مكّة قبل الهجرة ، أمّا بعد الهجرة فالقرآن يشهدُ بأنّ هناك رجالا مؤمنينَ ونساء مؤمنات في مكّة المكرّمة كانوا يخفون إسلامهم إلى أقصى حدّ; حتّى أنّ المسلمين ـ أيضاً ـ لم يكونوا عالمين بإسلامهم ، فحينما عاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المشركين في عام 6 من الهجرة في الحديبية ، وكانت شروط الصلح لصالح المشركين ، ومجحفة بالمسلمين في ما يرى من ظاهر الحال ، الأمر الذي أسخط بعض المسلمين ، وأظهروا عدم الرضا ، ومنهم عمر بن الخطاب الذي كان متغيّظاً إلى أقصى حدّ ، حتّى أنّه واجه النبي (صلى الله عليه وآله) واعترض عليه بلهجة قاسية ، وكان يقول في أواخر حياته: «ما شككتُ مذ أسلمتُ إلاّ يومئذ» 4  ، فأنزل الله عزّوجلّ هذه الآية في جواب هذه الطائفة من المسلمين ، وبيّن لهم بعض مصالح صلح الحديبية وقال فيها: وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْم لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً5  .
فهذه الآية تقول بصراحة قاطعة: هنالك في مكّة رجالٌ مؤمنون ونساءٌ

1.سورة الشعراء آية ۱۸ ـ ۱۹ .

2.البيضاوي مصر ج۱ ص۱۱۲ و۳۹۶ .

3.سورة الشعراء آية ۲۱۴ .

4.الإمام السيوطي ، الدرّ المنثور ج۶ ص۷۷ .

5.سورة الفتح آية ۲۵ .

الصفحه من 63